الطور الثانى
طلبه للعلم والرحلة فيه
لما أناف الإمام أحمد على الربيع الخامس عشر من عمره توجه بنفسه إلى طلب علم الحديث، وقصد أهله المبرزين فيه، فبدأ بشيوخ بغداد فاستنفد ما عندهم، ثم تنقل في الأمصار المعروفة آنذاك بالحفاظ والفقهاء والأئمة، كالبصرة والكوفة والحجاز واليمن.
فبدأ بالطلب سنة 179 هـ وهي السنة التي توفي فيها عالم المدينة؛ مالك بن أنس، وإمام البصرة حماد بن زيد.
فسمع من علي بن هاشم بن البريد، لكنه سرعان ما بادره الموت به. قال عبد الله: قال أبي: سمعت من علي بن هاشم بن البريد سنة 179 هـ في أول سنة طبت الحديث، ثم عدت إليه في المجلس الآخر، وقد مات، وهي السنة التي مات فيها مالك بن أنس (?). وكتب عن أبي يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة. وفي نفس السنة أي: سنة 179 هـ جلس إلى هشيم ابن بشير الواسطي، وأكثر من الأخذ عنه، ولازمه حتى توفي سنة 183 هـ ولأحمد من العمر عشرون سنة.
وكان هشيم ولد سنة 104 هـ بواسط، ثم قدم بغداد قديمًا واستقر فيها. قال عنه الذهبي: شيخ الإسلام محدث بغداد وحافظها (?).
وروى عنه من أقرانه وأهل طبقته جماعة كبيرة منهم: شعبة والثوري، وهما من شيوخه، وحماد بن زيد، ومالك بن أنس، وابن المبارك، وغيرهم. فكان الإمام أحمد من طبقة هؤلاء باعتبار هذه المشاركة العالية التي حظي بها. قال أحمد في وصفه: لزمت هشيمًا أربع سنين أو خمسًا ما سألته عن شيء هيبة له إلا مرتين، وكان كثير التسبيح بين الحديث، يقول بين ذلك: لا إله إلا الله، يمد بها صوته (?).
وكانت حافظة الإمام أحمد تنال إعجاب الألباء، فقد حفظ كل ما سمعه من هشيم ابن بشير، حتى قال عن نفسه: حفظت كل شيء سمعته من هشيم، وهشيم حي قبل