فأنكره وأشهد على رجوعه عنها كلها، فلما بلغ إسحاقَ بنَ منصور أن الإمام أحمد رجع عن تلك المسائل التي علقها عنه، جمع تلك المسائل كلها في جراب، وحملها على ظهره، وخرج راجلًا إلى بغداد، وهي على ظهره، وعرض خطوط أحمد عليه في كل مسألة استفتاه فيها، فأقرّ له بها ثانيًا، وأعجب أحمد بذلك من شأنه (?).
وانتشرت هذه القصة في صفوف الحنابلة، إلا أن بعضًا منهم لم يبلغه أن الإمام أحمد أقرَّ ابن منصور ثانية وأجازه بها، فصار يُليِّن القول في تلك المسائل وفي الثقة بها، فنبه الحسن بن حامد (ت 403 هـ) إلى هذا الغلط في مقدمة كتابه الكبير المسمى بـ "الجامع"، فقال:
"وقد رأيت بعض من يزعم أنه منتسب إلى الفقه يُليِّن القول في كتاب إسحاق بن منصور، ويقول: إنه يقال: إن أبا عبد الله رجع عنه، وهذا قول من لا ثقة له بالمذهب، إذ لا أعلم أن أحدًا من أصحابنا قال بما ذكره ولا أشار إليه" (?).
وكما حُفظتْ تلك المسائل -أو معظمها- إلى يومنا هذا فيما يوجد من مخطوطات الكتاب، فقد حُفظتْ حفظًا معنويًا في "جامع الإمام الترمذي"، فقد أوردها، أو عامتها، في تعليقاته على أحاديث الأبواب، كما صرح هو بذلك في آخر كتابه، فقال:
"وما كان فيه من قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم، فهو ما أخبرنا به إسحاق بن منصور عن أحمد وإسحاق، إلا ما في أبواب الحج والديات والحدود، فإني لم أسمعه من إسحاق بن منصور، أخبرني به محمد ابن موسى الأصمّ عن إسحاق بن منصور عن أحمد وإسحاق. وبعض كلام إسحاق بن إبراهيم أخبرنا به محمد بن أفلح عن إسحاق، وقد بينا هذا على وجهه في الكتاب الذي فيه الموقوف" (?).