وأما أيام الأمين، فقد كانت خافتة في تألقها، ضعيفة في عطائها، قليلة في عددها، بسبب الفتن المتلاحقة بينه وبين أخيه المأمون، حتى انتهت بقتله وأفضت بالخلافة إلى أخيه الذي اتجه إلى "بيت الحكمة" الذي أسسه أبوه، فأفرد لكل عالم ركنًا، فازدحمت جنبات هذا البيت بالعلماء والفلاسفة والمترجمين والمؤلفين وأساطين اللغة ورجال الأدب.

فترجم الحجاج بن يوسف بن مطر مصنفات إقليدس وكتاب بطليموس المعروف بالمجسطي (?).

وكان قبل ذلك قد توفي مالك بن أنس (179 هـ) بالمدينة، والليث بن سعد (175 هـ) بمصر، وسفيان الثوري (161 هـ) بالكوفة، والأوزاعي (157 هـ) بالشام. وهؤلاء كانوا أئمة الناس في الحديث والفقه معًا، يرحل إليهم وتضرب لهم أكباد المطي. وكان الشافعي قد مات بمصر (204 هـ) بعدما استقر بها وألقى عصا التسيار من الرحلات التي رحلها مترددًا بين مكة واليمن والمدينة والعراق.

ويزغ نجم أئمة الحديث ونقاده وحفاظه، كشعبة بن الحجاج وخالد الحذاء وجرير ابن حازم وحماد بن زيد وسفيان بن عيينة، ووكيع بن الجراح، وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى القطان ويزيد بن هارون، وغيرهم.

وترك هؤلاء الأئمة، آثارهم وصنفوا التصانيف في الفقه والحديث على حَدٍّ سواء، فوضع مالك بن أنس كتابه "الموطأ" على نحو بديع لم يسبق إلى مثله أحد، وألف سحنون كتاب "المدونة" في الفقه المالكي بعدما ذاكر بها ابن القاسم فيما رواه من فقه عن شيخه مالك بن أنس. ووضع سفيان الثوري كتابًا جامعًا في مسائل الفقه إلى جانب كتابه "الجامع" في الحديث. كما ألَّف الأوزاعي كتاب "السنن"، وألَّف الشافعي كتبه المشهورة المعروفة "الرسالة" في الأصول، و"الأم" و "المبسوط" في الفقه (?)، وغيرها. ودوَّن محمد ابن الحسن فقه أبي حنيفة وأبي يوسف، وفقهه هو ثالث الثلاثة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015