العلا لما كلَّ غيره ووقف، من أهل بيت في العلوم والقضاء عريق، ويالرياسة والنفاسة حقيق، خدم فنون العدم إلى أن بلغ منها المُنى، وتفرد بمذهب اللإمام أحمد، فما كان في عصره من يشير إلى نفسه بأنا، وولي القضاء فأحيا سنة التواضع والتقشف، وترك الناموس، وطرح التكلف، .. وبكى على فراقه مذهب ابن حنبل ... ودرس للحنابلة بغالب مدارس البلد، وله تعاليق، وتصانيف، ومسودات كثيرة، في الفقه وأصوله، والحديث والعربية والتاريخ وغير ذلك" (?).

ويرى الشيخ أبو زهرة -رَحِمَهُ اللهُ- أن سبب قلة الوجود الحنبلي في مصر، إنما مرده إلى المسلك الذي كانت تسلكه الدولة الأيوبية تجاه المذاهب، فقد كان ملوكها شديدي التعصب للمذهب الشافعي، فحاربوا غيره من المذاهب، فلم يسمحوا لغيره من المذاهب إلا ما كان له تأييد من العامة، كالمذهب المالكي، ولم يكن للمذهب الحنبلي ذلك النفوذ من قبل (?).

وهذا الرأي يحتاج إلى بينة من واقع التاريخ، فإن الدولة الأيوبية وإن كانت تقدم الشافعية على غيرهم، فإنها لم تغلق الأبواب في وجوه المذاهب الأخرى، والذي يدل على ذلك أن الملك الصالح نجم الدين أيوب ابن الملك الكامل بنى المدرسة الصالحية بالقاهرة، وذلك سنة 639 هـ، أي في عز الدولة الأيولية. قال المقريزي: ورتب فيها دروسًا أربعة للفقهاء المنتمين إلى المذاهب الأربعة في سنة 641 هـ، وهو أول من عمل بمصر دروسًا أربعة في مكان (?).

ونزيد ذلك تأكيدًا بما ورد في ترجمة الفقيه الواعظ المفسر علي بن إبراهيم الدمشقي، المعروف بـ "ابن نجية"، فإنه أوفد إلى بغداد من قبل السلطان نور الدين الشهيد، ثم أوفد إلى مصر من قبل السلطان صلاح الدين الأيوبي، فبقي هناك إلى أن مات. وكان ذا رَأي صائب، حتى كان صلاح الدين يسميه عمرو بن العاص، ويعمل برأيه، ويكاتبه، ويحضر مجلسه هو وأولاده (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015