الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد.
فقد أنزل الله سبحانه كتابه العزيز بالحق على خاتم النبيين، ليبلغه إلى خاتمة الأمم، وجعله بشيرًا ونذيرًا بين يدي الساعة , فهو حجته على الناس جميعًا , مهما باعدت بينهم الأقطار والأمكنة، ومهما توزعتهم الأعصار ولأزمنة، ومهما زايلت بينهم الألوان والعادات والألسنة. وهو كلية الشريعة، وعمدة الملة الحنفية السمحة، وينبوع الحكمة البالغة، وآية الرسالة الخاتمة، ونور الأبصار والبصائر، فلا طريق إلى الله سواه، ولا نجاة إِلا في التمسك يه واتباعه.
وجعل الله خاتم الرسل محمدًا - عليه الصلاة والسلام - حجة؛ بما علمه وأدبه، وحباه به من العصمة عن مقارفة الذنوب وملابسة المعاصي، فكانت أقواله وأفعاله وسائر تصرفاته تشريعًا للناس، وسنة للمسلمين، وييانًا لما أنزل إليهم من ربهم، كما قال -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].
قال الشاطبي -رَحِمَهُ اللهُ-:
"تعريف القرأن بالأحكام الشرعية أكثره كليّ لا جزئي .. ويدل على هذا المعنى -بعد الإستقراء المعتبر- أنه محتاج إلى كثير من البيان، فإن السنة على كثرتها وكثرة مسائلها، إنما هي ييان للكتاب .. وإذا كان كذلك، فالقرآن على اختصاره جامع , ولا يكون جامعًا إلا والمجموع فيه أمور كليات؛ لأن الشريعة تمت بتمام نزوله , لقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3]. وأنت تعلم أن الصلاة والزكاة والجهاد، وأشباه ذلك لم يتبين جميع أحكامها قي القرآن، إِنما بينتها السنة , وكذلك العاديات من الأنكحة والعمود والقصاص والحدود وغيرها" (?).
فكان الهاديان: الكتاب العزيز والسنة المطهرة، حجة ومحجة، ونورًا مبينًا , وحبلًا متينًا، وصراطًا، من عمل بهما أجر، ومن تمسك بهما عصم، ومن دعا بهما وإليهما هدي إلى صراط مستقيم. يوشك أن يفوز بالبغية، ويظفر بالطَّلِبة، ويجد نفسه من