عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نَضَّر الله امرأً سمع منّا حديثًا، فحفظه حتى يبلغه غيره، فإنه رُبّ حامل فقه ليس بفقيه، ورُبّ حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه" (?).
ولا غرو أن إمام السنة كان محلًا لذلك الدعاء المبارك، فقد قال ناعتوه: إنه كان حسن الوجه، رَبْعة، يخضب بالحناء خضابًا ليس بالقاني، في لحيته شعرات سود، أبيض الثياب، وإن كانت غليظة خشنة، يعتمُّ ويلبس إزارًا. وكان أسمر شديد السمرة، طويل القامة (?).
وكان -عليه رحمة الله- يجلس جلوس المتواضعين في خشوع باد على تقاسيم وجهه، يفضل التربع، وهو القرفصاء، وهي جِلسةكانت تحكيها الصحابية قيلة بنت مخرمة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنها رأته يجلس كذلك (?).
وكان رجلًا مهيبًا لا يجرؤ أحد على انتهاك المهابة التي تكون في مجلسه، وهي مهابة جاء بها الورع والسمت والخشوع لله باستمرار، وليست تلك المهابة التي يفرضها المتجبرون على الناس ظلمًا وعلوًا، فكان الإمام أحمد كما قال مصعب بن عبد الله الزبيري في مالك ابن أنس:
يَدَعُ الجوابَ فلا يُراجَعُ هَيْيةَ ... والسائلونَ نواكسُ الأذْقَانِ
عِزُّ الوَقَار ونُورُ سُلطانِ التُّقَى ... فهو المَهيبُ وليس ذا سُلْطان (?)
وكان كما يقول واصفوه: لا يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من أمر الدنيا، فإذا ذكر العلم تكلم، شديد الحياء، كريم النفس، حسن العشرة والأدب، كثير الإطراق والغض، معرضًا عن القبيح واللغو، لا يسمع منه إلا المذاكرة بالحديث، وذكر الصالحين