ومنهم علقمة الفحل. وهو علقمة بن عبدة بن ناشرة بن قيس بن عبيد. وإنما سمي الفحل لأنه كان تنازع هو وامرؤ القيس في الشعر، فقال كل منهما لصا حبه أنا أشعر منك. فقال علقمة: قد حكمت بيني وبينك إمرأتك أم جندب، فقال: قد رضيت. فتحاكما إليها، فقالت: ليقل كل واحد منكما شعراً يصف فيه الخيل، على قافية واحدة. فقال امرؤ القيس:
خليليَّ مرابي على أمِ جندبِ ... لنقضيَ حاجاتِ الفؤادِ المعذبِ
فقال علقمة:
ذهبت من الهجرانِ في غير مذهبِ ... ولم يكَ حقاً طولَ هذا التجنبِ
وأنشد كل واحد قصيدته. فقالت لامرئ القيس: علقمة أشعر منك. قال: وكيف ذاك؟ قالت: لأنك قلت:
فللسوطِ ألهوبٌ، وللساقِِِ درةٌ ... وللزجرِ فيه وقعُ أحرجَ مذهبِ
فجهدت في شكه بسوطك وزجرك، ومريته فأتعبته. وقال علقمة:
فردَّ على آثارهنَّ بحاصبٍ ... وغيبة شؤبوبٍ، من الشدَّ ملهبِ
فأدركهنَّ ثانياً من عنانهِ ... يمرُّ كمرّ الرائحِ المتحلبِ
فأدرك فرسه ثانياً من عنانه، لم يضربه بسوط، ولم يزجره بساقه، ولم يتعبه. فقال لها امرؤ القيس: ما علقمة بأشعر مني، ولكنك له عاشقة. وطلقها، وخلف عليها علقمة، فكسمي. وله يقول الفرزدق:
والفحلُ علقمةُ الذي كانت له ... حلل الملوك كلامه تتنخلُ
وأما الجاحظ فأنكر ذلك، وقال: إنما سمي الفحل لأن بعض عياهلة اليمن خصى علقمة بن شبل، فسمي علقمة الخصي، فلما وقع على هذا اسم الخصي، قيل لذاك: الفحل، ليفرق بينهما.
ومنهم البرك. وهو عوف بن مالك، وإنما سمي البرك في حرب، لأنه صعد ثنية من جبل، ومعه أمه على جمل، فلما وصل الثنية ضرب عرقوب فرسه البرك، وقال: أنا البرك أبرك حيث أدرك.
ومنهم الفند. واسمه شهل بن شيبان بن ربيعة، من بكر بن وائل. وكان شيخاً كبيراً، يعد بألف. فقدم في بكر بن وائل في سبعين رجلاً. فلما رأتهم بكر بن وائل استقلوهم، وقالوا: ويك تغير بهذا الجمع القليل أيها الشيخ؟ فقال: أما ترضون أن أكون لكم فندا؟ قالا: بلى. والفند: الحجر العظيم، أو القطعة الضخمة من الجبل. سمي بذلك.
ومنهم زيد الخيل. وهو زيد بن مهلهل بن زيد. وإنما سمي بذلك لكثرة طراده للخيل، ومغاورته القبائل والأحياء. وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم: زيد الخير.
ومنهم عنترة الفوارس. وهو عنترة بن شداد. وإنما سمي عنترة الفوارس لكثرة ملاقاته فرسان العرب، وإغارته على أحيائها. وكان فارساً.
ومنهم سليك المقانب. وهو سليك بن عمرو. وإنما سمي المقانب لأنه كان صاحب غارات، وأنشد:
وإذا تواكلتِ المقانبُ لم يزلْ ... بالقفرِ منا مقنبٌ معلومُ
وكان هذا أيضاً يسمى رئبالاً. والرئبال: اسم للسبع.
ومنهم الفاتك. وهو عبد الله بن الحسن. وإنما سمي بالفاتك لفتكه في الحرب.
ومنهم المذلق. وهو أوس بن عباد بن عبدود. وإنما سمي المذلق لأن سنانه كان لا يطعن به شيئً إلا أنفذه. فسمي بذلك. وفي ابنه يقول المذلق:
متى ألقَ عبادَ بنَ أوسٍ أقلْ لهُ ... عليكَ سلامُ اللهِ يا ابنَ المذلق
ومنهم المسيب. واسمه زهير، من ربيعة بن نزار. وإنما سمي المسيب حين أوعد عامر بن ذهل، فقالت له بنو ضبيعة: قد سيبناك. فقال فيه بعض شعرائهم:
إذا سركم ألا تؤوبَ لقاحكمْ ... بطاناً، فقولوا لمسيب يسرحِ
ومنهم فقيد ثقيف، واسمه عمرو بن عبد الله. وكان سببه أنه عشق امرأة أخيه سفيان، وكتم أمره، ولم يعرف الأطباء داءه. فقال الحارث بن كلدة الثقفي، وكان طبيب العرب: هو عاشق. فدعى بشراب، فصبه في فيه حتى سكر، فأنشا يقول:
أهيجُ وأهيجُ، و ... حزيناًً ما أكوننهْ
ألما بي على الأبيا ... تِ بالخيفِ أزرهنهْ
غزالاً ما رأيتُ اليو ... مَ في دورِ بني كنهْ
غزالاً أحور العين ... وفي منطقهِ غنهْ
فقال الحارث: قد عرض ولم يبن. فزاده من الشراب، وعرض عليه نساء العرب، فلما مرت به امرأة أخيه أنشأ يقول:
أهلَ ودي ألا اسلموا ... وقفوا كمي تكلموا
أخذَ الحيُّ حظهمْْْ ... من فؤادي، وأنعموا
فهمُ في كثيرةٍ ... وفؤادي متيمُ
وأخو الحبِّ جسمهُ ... أبدَ الدهر مسقمُ
طلعتْ مزنةٌ من ال ... بحر ريا تحمحمُ