وإنْ تراهُ والخيل في قورٍ ... سمعتَ بين الضلوعِ أزملهُ
مجاهد الصيدِ، مبتغيه به ... ولم يضائلْ شخصاً ليختلهُ
كأنما كنَّ إذ دعونَ به ... قطاً تراءت بالجوّ أجدلهُ
وكفهُ بالعنان قابضةٌ ... ليبصر القصد، ثمَّ أرسلهُ
فبلَّ شأوَ الجواد في طلقٍ ... ظليمهُ راغماً، ومسحلهُ
والناشط المستطير بعدهما ... ألحق حدُّ السنانِ مقتلهُ
والظبيُ لما شآهُ أدركهُ ... بالعفو من جريهِ، فجدلهُ
فكلهم لم يبلْ بمهجتهِ ... ولم يفت جهدهُ تمهلهُ
عفرَ منها الوجوهَ فارشةً ... من قبلُ، بلَّ الحميمِ أيطلهُ
بذي غرانين كالهلالِ إذا ... خالط عضواً، أبانَ مفصلهُ
يعلهُ من نجيعهِ دفعاً ... من بعدما كان منه أنهلهُ
وراحَ والغادياتُ قد خضبتْ ... بالدمِ أرساغهُ وأكحلهُ
ومن مختار غزله ومليح تشبيهه:
وأحورَ مسترخي الجفون كأنهُ ... به سنةٌ، أو قد أطافَ به السكرُ
له وجنات من بياضٍ وحمرةٍ ... فحافاتها بيضُ، وأوساطها حمرُ
رقاقٌ يجولُ الماءُ فيها كأنها ... زجاجٌ تلالا في جوانبها الخمرُ
تروقُ عيونَ الناظرينَ نعوتها ... ويجرحها، في نورها، النظرُ الشزرُ
وله أيضاً:
أما عجبي مني وقوفي على الدهرِ ... وطول انتظاري في الهوى دولةَ الصبرِ
أكاتمُ حبيها، مخافةَ هجرها ... فقد خفتُ منه أن أموتَ ولا أدري
أراني سأبدي عندَ أولِ سكرةٍ ... هواي إليها في سكونٍ وفي سترِ
فإن رضيت كان الرضا سببَ الهوى ... وإن سخطتْ مني أحلتُ على السكرِ
لم تكن له قصيدة طويلة، وإنما كانت له مقطعات حسنة. منها يصف جارية مغنية، وهي أبيات مشهورة ما رأيت أحداً يعرف قائلها:
جاءت بوجهٍ كأنه قمرٌ ... على قوامٍ كأنهُ غصنُ
غنت فلم تبقَ فيَّ جارحةٌ ... إلا تمنيتُ أنها أذنُ
وله أيضاً:
ما استضحكَ الطيبُ إلا عن تراقيكِ ... ولا بدا الحسنُ إلا في نواحيكِ
من مقلتيكِ رأينا الحسنَ مبتسماً ... زهواً، كما ابتسمَ الأغريضُ من فيكِ
يا منيةَ النفسِ ردي غيرَ صاغرةً ... عليَّ قلباً ثوى رهناً بحبيكِ
ما استحسنتْ مقلتي شيئاً فأعجبني ... إلا رأيتُ الذي استحسنتهُ فيكِ
لم يكن للكتاب:، في صدر الغسلام، كبير حظ في الشعر ولا في ايام مروان، لأن عبد الملك كان كاتباً لمعاوية، وزيادا كاتب المغيرة، وعمرو الأشدق كاتب المدينة، وقبيصة بن ذؤيب كاتب عب الملك، والحسن البصري كاتب الربيع بن زياد، ومحمد بن سيرين كاتب أنس، والشعبي كاتب عبد الله بن مطيع، وسعيد بن نصير كاتب عبد الله بن عروة، وعبد الحميد كاتب مروان. هؤلاء الكتاب المعروفون. وإنما لم يكثر الكتاب من الشعر والبلاغة إلا في ايام بني العباس، وصل الله أيامهم بيوم الساعة، وفرض لهم على الخلائق أجمعين صدق الإخلاص ومحض الطاعة، خصوصاً على أغزرهم جوداً، وأنجزهم وعوداً، واشدهم قوة، وأوفرهم مروءة، سيدنا ومولانا الإمام أمير المؤمنين، الذي أصبحت أيامه في وجه الدهر غرة شادخة، وخلافته في الإسلام عزة باذخة، وإمامته لبني العباس رتبة شامخة، وكما قلت فيه:
كسا بني العباس كلَّ مفخرِ ... أسلفَ منه رحمةً للسلفِ
وأكرم القوم الألى من هاشمٍ ... لما سما أشرفهمْ للشرفِ
أعطى، إلى أن قالَ جودُ كفهِ ... كفَّ، فقد جاوزتَ حدَّ السرفِ
تمشي عفاةُ برهّّ جائزةً ... بما حباها، لتعودَ تقتفي
ولي فيه:
خليفةٌ من بني العباسِ ما تركت ... آلاؤهُ مفخراً ينمى إلى أحدِ
وكلما ازدادَ إنعاماً، يقولُ لهُ ... علوُّ همتهِ في المكرماتِ: زدِ
وفيه أيضاً:
روتِ الخلافةُ عنه كلَّ فضيلةٍ ... بيدِ الكرامِ الكاتبينَ تبجل
ما زينتهُ وإنما هو انها ... وكذا المليحةُ للحليّ تجملُ
وفيه أيضاً:
قرشيٌّ نماهُ من محتدِ العب ... اسِ فرعٌ يعلو به كيوانا
كلُّ جدٍّ يروي الخلافة عن جد ... دٍ، فيرضي النبيِّ والرحمانا