وكان العجاج يرى المتعة بغير شاهد. وقيل: إنه قدم إلى والي اليمامة إمرأة، ادعى تزويجها، فأنكرت المرأة، فسأله البينة، فأنشد:
وفالقِ الحبِّ، وفلاقِ النوى
لقد مددنا أيدياً تحتَ الدجى
تحت. . . الليلِ، والليلُ يرى
صفتاً، وكلٌ معجبٌ بما اشترى
وله يهجو بنيه:
إنَّ بنيَّ للئامٌ زهدهْ
ما عندهمْ لأحدٍ من موددهْ
إلاّ كودِّ مسدٍ لقرمدهْ
فقال ولده رؤبة يجيبه:
عجاجُ ما كنتَ بأرضٍ مأسدهْ
إنَّ بنيكَ لكرامٌ مجدهْ
ولو دعوتَ، لأتوكَ حفدهْ
الاحتفاد: السرعة، والحفد في الخدمة.
وقيل: إن العجاج استقرض من بنته حومة بكراً، فمطلها به سنة وشهراً، وكان له جمل، يقال له جوجله، فسألته حومة أن يدفع إليها ذلك الجمل، بدلاً من بكرها، فقال العجاج:
قد أقرضتْ حومةُ قرضاً عسرا
ثمَّ تعدتْ بازلاً ضبطرا
حوجلة القبعثري الدمثرا
الدمثر: الكبير الفم.
فأجابته حومة:
يا أبتي زادكَ ربِّ وفرا
وزادَ في عمركَ، أيضاً، عمرا
بعد نسائي سنةً وشهرا
تمتعني حوجلةَ الدمثرا
وقال العجاج:
والشمسُ قد كادتْ تكونُ دنفا
أدفعها بالراحِ كي تزحلفا دنفا: تموت، أو تصفر للغروب. وتزحلف: تنحى وقال الآخر:
تنورتها من أذرعاتٍ، وأهلها ... بيثربَ، أدنى، أدنى دارها نظرٌ عالِ
تنورتها: رأيت نارها.
ومثله:
أليسَ بصيراً من يرى، وهو قاعدٌ ... بمكةَ، أهلَ الشامِ يختبزونا
قال بعضهم: رأى أهل الشام بمكة وهم يختبزون.
وقال إبن شبة: إجتمع على باب عبد العزيز كثير والعجاج ونصيب، فأبطأت عليهم جوائزهم، فأرادوا تحريكة، فقال كثير في ذلك:
ولقدْ علمتَ، وأنتَ تعلمهُ ... أنَّ العطاءَ يشينهُ الحبسُ
وقال العجاج:
إني امرؤٌ قد ثبتتْ فراستي
فأنجزنَّ، يا هديتَ، حاجتي
وقال نصيب:
حتى متى حاجةٌ، لو شئتَ، قد قضيتْ ... محبوسةٌ ما لها وردٌ ولا صدرُ
ويروى أن العجاج أنشد سليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز حاضر قوله:
يا خيرَ نفسٍ خرجتْ من نفسِ
خرجتَ بينَ قمرٍ وشمسِ
ومما يشبه هذا أن كعب بن زهير أشد أبا بكر، رضي الله عنه، قصيدة زهير، فلما بلغ إلى قوله:
لو كنتَ من شيءٍ سوى بشرٍ ... كنتَ المنورَ ليلةَ القدرِ
والستر دون الفاحشاتِ، ولا ... يلقاكَ، دونَ الخيرِ، من سترِ
فذرفت عينا أبي بكر، وقال: هكذا كان رسول الله صلى الله عيه وسلم.
كان يكنى أبا الجحاف، وكان رجلاً كاملاً، وكان أبوه تزوج امرأة غير أمه، اسمها عقرب، فولدت له أولاداً، كان يؤثرهم على رؤبة، ويهب لهم الشيء بعد الشيء من الإبل والغنم وغير ذلك. فقال رؤبة: إن هذه الإبل أنا اكتسبتها لأبي، وما زلت أذب عنها، وأدور معها الغمرات، وأتبع بها الأرياف أرعاها، ويأخذها أبي ويعطيها لمن لا تعب فيها. فأخبر بذلك العجاج فقال:
لطالما أجرى أبو الجحافِ
لفرقةٍ، طويلةِ التجافي
لما رآني أرعشتْ أطرافي
وقد مشيتُ مشيةَ الدلافِ
كان مع الشيبِ من الدفافِ
إستعجلَ الدهرَ، وفيه كافِ
يخترمُ الألفَ مع الألافِ
ليسَ كذاكَ ولدُ الأشرافِ
وهو عليكَ واسعُ العطافِ
فلما سمع رؤبة شعر أبيه خرج إلى رعاء إبله، وقال: هو أعلم بالشعر مني، فاسمعوا ما أقول، فان كان شعراً فأنا شاعر، وإن لم يكن شعراً أقبلت على رعاء الإبل، فقالوا: هات ما سنح لك، فقال:
إنكَ لم تنصفْ أبا الحجافِ
وكان يرضى منكَ بالإنصافِ
فليتَ حظي من جداكَ الضافي
كفافِ، إنْ تتركني، كفافِ
قالوا: والله أحسنت، وسلكت طريق الشعراء، وما أبوك بأشعر منك.
قال: فوالله، لا أتبع ذنب بعير أبداً. وسمع أبوه فخرج إليه، وقال له: خدعك الشيطان، هات ما قلت، فوالله لأنت عندي أوغد من أن تقول شعراً، فأنشده، فقال: اشهدوا، إن أمر زوجتي عقرب بيده، قال: فاشهدوا إنها طالق من أبي، ثم عكف عليه.