أبى لي أن أطيلَ الشعرَ قصدي ... إلى المعنى، وعلمي بالصوابِ

فأبعثهنَّ أربعةً وستاً ... مثقفةً بألفاظٍ عذابِ

وهنَّ إذا وسمتُ بهنَّ قوماً ... كأطواقِ الحمائمِ في الرقابِ

وهنَّ إذا أقمنَ مسافرات ... تهاداها الرواة مع الركابِ

وقول البحتري:

وأنا الذي أوضحتُ غيرَ مدافعٍ ... نهجَ القوافي، وهي رسمٌ دارسُ

وشهرتُ في شرقِ البلادِ وغربها ... فكأنني في كلِّ نادٍ جالسُ

ولبعضهم:

فلا تبعدني من نداكَ فإنَّ لي ... لساناً ملا الدنيا، وأنتَ ابنُ خالدِ

وكان دعبل صاحباً للفضل بن العباس بن جعفر بن محمد بن الأشعث بن عقبة، مكلم الذئب الخزاعي، وغزا كابل وافتتحها، ودعبل يدل عليه لأنه أدبه، فعاتبه في جملة قصيدة، قال:

ألا أيها القطاعُ هل أنتَ عارفٌ ... لنا حرمةً، أمْ قد نكرتَ التحرما

فهلا بطوسٍ، والبلادُ حميدةٌ ... تعولُ الليالي والمطيَّ المرسما

وأسلمتني من بعد ما صوحَ الكلا ... وغاضتْ بقايا الحسي، والمزنُ أنجما

ستعلمُ إن راجعتَ نفسكَ أوسختْ ... عن الضفِّ يوماً: أينا كان ألوما

قال دعبل الخزاعي: حججت أنا وأخي رزين، وأخذنا كتباً إلى المطلب، صاحب مصر، فصرنا من مكة إلى مصر، فصحبنا رجل يعرف بأحمد بن السراج، ما زال يحدثنا ويؤنسنا ويتولى خدمتنا، وكان شاعراً، وكتمنا نفسه.

فعرضنا عليه أن يقول في المطلب قصيدة ننحله إياها، فقال: إن شئتم. فعملنا له قصيدة، فلما دخلنا إلى المطلب وأوصلنا إليه الكتب التي كانت معنا، وأنشدنا ووصفنا له أحمد بن السراج، فأذن له، ونحن نظن أن سينشده القصيدة التي نحلناه إياها. فلما مثل بين يديه عدل عنها وأنشده:

لم آتِ مطلباً إلا لمطلبِ ... وهمةٍ بلغتْ بي غايةَ الرتبِ

أفردتهُ برجائي أن تشاركهُ ... في الوسائلُ، أو ألقاهُ بالكتبِ

رحلتُ عنسي إلى البيت الحرام على ... ما كان من نصبٍ فيها، ومن وصبِ

ألقى بها وبوجهي كلَّ هاجرةٍ ... تكادُ تقدحُ بينَ الجلدِ والعصبِ

حتى إذا ما قضتْ حاجاً ثنيتُ لها ... عطفَ الزمامِ فأمتْ سيدَ العربِ

فيممتكَ وقد ذابتْ مفاصلها ... من طولِ ما تعبٍ لاقت ومن نصبِ

إني استجرتُ بأستارينِ مستلماً ... ركنين: مطلباً والبيتَ ذا الحجبِ

فذاك للأجلِ المرجو آملهُ ... وأنتَ للعاجلِ المرجو والطلبِ

هذا ثنائي، وهذي مصرُ سانحةً ... وأنتَ أنتَ، وقد ناديتُ من كثبِ

قال: فصاح المطلب: لبيك، لبيك ثم قام وأخذ بيده وأجلسه معه، واستدعى بالبدر فأحضرت، ثم الخلع فنشرت، فأمن له بذلك ما ملأ عينه، وحسدناه على ذلك.

ولدعبل:

فأنتَ إذا ما التقوا آخرٌ ... وأنتَ إذا انهزموا أولُ

وعاديتَ قوماً فما ضرهمْ ... وقدمتَ قوماً فلم ينبلوا

إذا الحربُ كنتَ أميراً لها ... فحظهمُ منكَ أنْ يقتلوا

شعاركَ في الحربِ يومَ الوغى ... إذا انهزموا: عجلوا، عجلوا

ذكر أبي الشيص

أبو الشيص كان شاعراً مجيداً في كثرة البكاء على سالف أيامه، ومدح الرشيد وولد محمد بن الأشعث الخزاعي. وهو ودعبل من الكوفة. وفي أول ما اشتهر بالشعر قال قصيدته التي مدح بها عقبة بن جعفر بن محمد:

ألقى الزمانُ به ندوبَ عضاضِ

وعرض هذه القصيدة على بشار، فقال له بشار: قد بقيت قافية إن علمتها فأنت شاعر، قال: وما هي؟ قال: المقراض، فأنشده:

وجناحِ مقصوص تحيفَ ريشهُ ... ريبُ الزمانِ، تحيفَ المقراضِ

فقال له: أنت أشعر أهل عصرك. وهذه القصيدة تفضل على كل قصيدة نظمت في وزنها، وفيها معان نادرة منها:

لا تنكري صدي ولا إعراضي ... ليسَ المقلُّ على الزمانِ براضِ

وعصائبٍ صرفت إليكَ وجوهها ... نكباتُ دهرٍ للفتى، عضاضِ

شدوا بأعوادِ الرحالِ مطيهمْ ... من كلِّ أهوجَ للحصى رضاضِ

أكل الوجيفُ لحومها ولحومهم ... فأتتكَ أنقاضاً على أنقاضِ

ومثله قول ابن الأحنف:

أنضاءَ شوقٍ على أنضاءِ أسفارِ

ومثله:

رأتْ نضوَ أسفارٍ أميمةُ شاحباً ... على نضوِ أسفارٍ، فجنَّ جنونها

ومن القصيدة الضادية:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015