المدونه (صفحة 2192)

مَرَضِيٌّ فِي نَفْسِهِ، لَيْسَ بِسَفِيهٍ وَلَا مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، فَتَصَدَّقْتُ عَلَيْهِ بِدَرَاهِمَ وَجَعَلْتهَا عَلَى يَدَيْ غَيْرِهِ وَهُوَ مَعِي حِينَ تَصَدَّقْتُ، فَجَعَلْتُهَا عَلَى يَدَيْ مَنْ أَعْلَمْتُك - وَالْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ يَعْلَمُ ذَلِكَ - فَلَمْ يَقُمْ عَلَى صَدَقَتِهِ حَتَّى مِتُّ أَنَا، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهَا بَعْدَ مَوْتِي أَمْ قَدْ صَارَتْ لِوَرَثَتِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحُزْ صَدَقَتَهُ؟ .

قَالَ: إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُتَصَدِّقُ عَلَى الَّذِي جَعَلَهَا عَلَى يَدَيْهِ أَنْ لَا يَدْفَعَهَا إلَى الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِي، فَلِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ أَنْ يَقْبِضَ صَدَقَتَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُتَصَدِّقِ؛ لِأَنَّ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ لَوْ شَاءَ أَخَذَ صَدَقَتَهُ وَإِنَّمَا تَرَكَهَا فِي يَدَيْ رَجُلٍ قَدْ حَازَهَا لَهُ، وَلَوْ أَرَادَ الْمُتَصَدِّقُ أَنْ يَأْخُذَهَا بَعْدَمَا تَصَدَّقَ بِهَا وَجَعَلَهَا عَلَى يَدَيْ هَذَا الَّذِي حَازَهَا لِلْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الصَّدَقَةِ أَنْ يَأْخُذَهَا إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَى الَّذِي جَعَلَهَا عَلَى يَدَيْهِ أَنْ لَا يَدْفَعَهَا إلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنْ كَانَ اشْتَرَطَ مَا أَخْبَرْتُكَ فَلَا صَدَقَةَ لَهُ.

قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟

قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ الدَّنَانِيرَ يُفَرِّقُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ يَدْفَعُهَا إلَى الْمَسَاكِينِ - وَالدَّافِعُ صَحِيحٌ سَوِيٌّ - فَلَا يُقَسِّمْهَا الَّذِي أُعْطِيهَا حَتَّى يَمُوتَ الَّذِي أَعْطَاهَا.

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ أَشْهَدَ حِينَ دَفَعَهَا إلَى مَنْ أَمَرَهُ بِتَفْرِيقِهَا فَقَدْ جَازَتْ وَهِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى مَسْأَلَتِكَ.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَ لَمْ يَشْهَدْ حِينَ دَفَعَهَا إلَيْهِ وَأَمَرَهُ بِتَفْرِقَتِهَا، فَمَا بَقِيَ مِنْهَا يَوْمَ يَمُوتُ الْمُعْطِي رَدَّهُ إلَى الْوَرَثَةِ وَلَا يُنْفِقُهُ فِيهَا مَا أَمَرَهُ بِهَا. فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَتْ لِلْوَرَثَةِ.

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ يَحْبِسُ الْحَبْسَ فَيَجْعَلُهُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي حَبَسَ عَلَيْهِمْ كِبَارًا فَيَجُوزُ ذَلِكَ. أَلَا تَرَى أَنَّ أَحْبَاسَ مَنْ مَضَى عُمْرَى وَغَيْرَهُ إنَّمَا كَانَتْ فِي يَدَيْ مَنْ جَعَلُوهَا عَلَى يَدَيْهِ يُجْرُونَ غَلَّتَهَا فِيمَا أُمِرُوا بِهَا فَكَانَتْ جَائِزَةً وَكَانَتْ مَقْبُوضَةً.

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قُلْتُ لِمَالِكٍ: فَمَا يَشْتَرِي النَّاسُ فِي حَجِّهِمْ مِنْ الْهَدَايَا لِأَهْلِهِمْ مِثْلَ الثِّيَابِ كِسْوَةً لِأَهْلِهِ ثُمَّ يَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى بَلَدِهِ.

قَالَ: إنْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ رَأَيْتُهُ لِمَنْ اشْتَرَاهُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَهُوَ مِيرَاثٌ.

قَالَ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: وَالرَّجُلُ يَبْعَثُ بِالْهَدِيَّةِ أَوْ بِالصِّلَةِ إلَى الرَّجُلِ وَهُوَ غَائِبٌ، فَيَمُوتُ الَّذِي بَعَثَ بِهَا أَوْ الَّذِي بُعِثَتْ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إلَى الْمَبْعُوثِ إلَيْهِ؟ قَالَ: إنْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ حِينَ بَعَثَهَا عَلَى إنْفَاذِهَا فَمَاتَ الْبَاعِثُ بِهَا فَهِيَ لِلَّذِي بُعِثَ إلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ الَّذِي بُعِثَ إلَيْهِ بَعْدَمَا أَنَفَذَهَا وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا فَهِيَ لِوَلَدِ الْمَبْعُوثِ بِهَا إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَشْهَدَ الْبَاعِثَ عَلَيْهَا حِينَ بَعَثَهَا فَأَيُّهُمَا مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَضِلَّ فَهِيَ تَرْجِعُ إلَى الْبَاعِثِ أَوْ وَرَثَتِهِ.

ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ اللَّيْثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُرْسِلُ إلَى صَاحِبِهِ بِأَلْفِ دِرْهَمِ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَيْهِ وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا، فَأَلْفَاهُ رَسُولُهُ قَدْ مَاتَ وَقَدْ كَانَ حَيًّا يَوْمَ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ فَطَلَبهَا وَرَثَتُهُ وَقَالَ الْمُتَصَدِّقُ: إنَّمَا أَرَدْت بِهَا صِلَتَهُ. قَالَ: إنْ كَانَ تَصَدَّقَ وَأَشْهَدَ عَلَى صَدَقَتِهِ - وَالْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ يَوْمئِذٍ حَيٌّ - ثُمَّ تُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَهُ الصَّدَقَةُ، فَقَدْ ثَبَتَ لِلَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا فِيهَا رُجُوعٌ وَقَدْ انْبَتَّتْ مِنْهُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015