لِلْفِضَّةِ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ فِضَّةٌ وَطَعَامٌ بِفِضَّةٍ، وَكَذَلِكَ فَسَّرَ لِي مَالِكٌ، وَلِمَا لِلنَّاسِ فِي ذَلِكَ مِنْ الرِّفْقِ بِهِمْ وَقِلَّةِ غِنَاهُمْ عَنْهُ لِأَنَّهَا نَفَقَاتٌ لَا تَكَادُ تَنْقَطِعُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ دُخُولُ مَكَّةَ إلَّا بِإِحْرَامٍ وَقَدْ جُوِّزَ لِمَنْ قَارَبَهَا مِنْ الْحَطَّابِينَ وَغَيْرِهِمْ لِكَثْرَةِ تَرْدَادِهِمْ عَلَيْهَا وَأَنَّهُمْ لَا غِنًى بِهِمْ عَنْ إدَامَةِ ذَلِكَ وَلِمَنَافِعِ النَّاسِ بِهِمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا بِغَيْرِ إحْرَامٍ
فِي الرَّجُلِ يَغْتَصِبُ الدَّنَانِيرَ فَيَصْرِفُهَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اغْتَصَبْت رَجُلًا دَنَانِيرَ فَلَقِيته بَعْدَ ذَلِكَ فَقُلْت لَهُ: هَذِهِ الدَّنَانِيرُ الَّتِي غَصَبْتُك فِي بَيْتِي فَبِعْنِيهَا بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَفَعَلَ وَدَفَعْت إلَيْهِ الدَّرَاهِمَ أَيَجُوزُ هَذَا أَمْ لَا؟
قَالَ: أَرَاهُ جَائِزًا لِأَنَّهُ كَانَ ضَامِنًا لِلدَّنَانِيرِ حِينَ غَصَبَهَا؟ فَإِنَّمَا اشْتَرَى مِنْهُ دَنَانِيرَ دَيْنًا عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ؟ وَقَوْلُهُ الدَّنَانِيرُ فِي بَيْتِي وَسُكُوتُهُ عَنْهَا سَوَاءٌ لِأَنَّهُ قَدْ غَابَ عَلَيْهَا وَهِيَ دَيْنٌ عَلَيْهِ قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ اغْتَصَبْت مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً فَانْطَلَقْت بِهَا إلَيْهِ بَعْضِ الْبُلْدَانِ فَأَتَيْته فَقُلْت لَهُ: إنَّ جَارِيَتَك عِنْدِي فِي بَلَدِ كَذَا وَكَذَا فَبِعْنِيهَا فَفَعَلَ أَيَجُوزُ هَذَا أَمْ لَا؟
قَالَ: أَرَاهُ جَائِزًا إذَا وَصَفَهَا لِأَنَّهُ كَانَ ضَامِنًا لِمَا أَصَابَ الْجَارِيَةَ مِنْ عَوَرٍ وَشَلَلٍ أَوْ نُقْصَانِ بَدَنٍ بَعْدَ وُجُوبِ الْبَيْعِ بَيْنَهُمَا وَقَبْلَ الْوُجُوبِ لِأَنَّ ضَمَانَهَا حِينَ غَصَبَهَا مِنْهُ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً قَدْ ضَمِنَ مَا أَصَابَهَا قَالَ: وَالدَّنَانِيرُ عِنْدِي أَوْضَحُ مِنْ الْجَارِيَةِ وَأَبْيَنُ
فِي الرَّجُلِ يَسْتَوْدِعُ الرَّجُلَ الدَّرَاهِمَ ثُمَّ يَلْقَاهُ فَيَصْرِفُهَا مِنْهُ وَهِيَ فِي بَيْتِهِ قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اسْتَوْدَعْت رَجُلًا دَرَاهِمَ ثُمَّ لَقِيته بَعْدَ ذَلِكَ فَصَارَفْتُهُ وَالدَّرَاهِمُ فِي بَيْتِهِ أَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اسْتَوْدَعْت رَجُلًا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ ثُمَّ لَقِيته بَعْدَ ذَلِكَ فَقُلْت لَهُ: أَعْطِنِي مِائَةَ دِرْهَمٍ وَاهْضِمْ عَنْك مِائَةَ دِرْهَمٍ فَأَعْطَانِي مِائَةَ دِرْهَمٍ مِنْ غَيْرِ الْمِائَتَيْنِ وَالْمِائَتَانِ فِي بَيْتِهِ أَيَجُوزُ هَذَا أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي، وَإِنَّمَا يَجُوزُ إنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا عَبْدِي، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَرْفُهَا فَكَيْفَ يَجُوزُ الْبَدَلُ بِهَا وَهِيَ غَيْرُ حَاضِرَةٍ
قُلْت: فَلَوْ اسْتَوْدَعْت رَجُلًا دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ حُلِيًّا مَصُوغًا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلَقِيَنِي بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ: بِعْنِي الْوَدِيعَةَ الَّتِي عِنْدِي وَهِيَ فِضَّةٌ بِهَذِهِ الدَّنَانِيرِ وَهِيَ فِضَّةٌ أَوْ هِيَ ذَهَبٌ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْوَدِيعَةُ حَاضِرَةً لِأَنَّ هَذَا ذَهَبٌ بِفِضَّةٍ لَيْسَ يَدًا بِيَدٍ