كَانَ اويس يلتقط النَّوَى فيبيعه بِمَا يفْطر عَلَيْهِ فَإِذا أصَاب حَشَفَة أدخرها لإفطاره وَيجمع الْخرق من الْمَزَابِل فيغسلها فِي الْفُرَات ويرقعها ليستر عَوْرَته ويفر من النَّاس فَلَا يجالسهم فَقَالُوا مَجْنُون لَا تصح الْمحبَّة حَتَّى يمحي الإسم الْمَعْرُوف باسم متجدد فَإِن إسم قيس نسي وَعرف بالمجنون
(لَوْلَا جنوني فِيك مَا ... قعد العواذل لي وَقَامُوا)
(أولى يلوم العاذلون ... وَلَيْسَ لي قلب يلام)
بنى أهل اويس لَهُ بَيْتا على بَاب دَارهم فَكَانَت تَأتي عَلَيْهِ السنون لَا يرَوْنَ لَهُ وَجها وَكَانَ إِذا خرج يمشي ضرب الصّبيان عَقِبَيْهِ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى تدمي وَهُوَ سَاكِت ولسان حَاله يَقُول
(وَلَقِيت فِي حبيك مَا لم يلقه ... فِي حب ليلى قيسها الْمَجْنُون)
(لكنني لم أتبع وَحش الفلا ... كفعال قيس وَالْجُنُون فنون)
لَقِي بعض الْجند إِبْرَاهِيم بن أدهم فِي الْبَريَّة فَقَالَ لَهُ أَيْن الْعمرَان فَأومى بِيَدِهِ إِلَى الْمَقَابِر فَضَربهُ فشج رَأسه فَقيل لَهُ هَذَا ابْن أدهم فَرجع يعْتَذر إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم الرَّأْس الَّذِي يحْتَاج إِلَى اعتذارك تركته ببلخ
(عزى ذلي وصحتي فِي سقمي ... يَا قوم رضيت بالهوى سفك دمي)
(عذالي كفوا فَمن ملامي ألمي ... من بَات على وعد اللقا لم ينم)
مر رجل بِابْن أدهم وَهُوَ ينظر كرما فَقَالَ ناولني من هَذَا الْعِنَب فَقَالَ مَا أذن لي صَاحبه فَقلب السَّوْط وَضرب رَأسه فَجعل يُطَأْطِئ رَأسه وَيَقُول إضرب رَأْسا طالما عصى الله
(من أَجلك قد جعلت خدي أَرضًا ... للشامت والحسود حَتَّى ترْضى)
(مولَايَ إِلَى مَتى بِهَذَا احظى ... عمري يفنى وحاجتي مَا تقضى)