وضربوا مثلا للوحي النفسي قصة «جان دارك» الفتاة الفرنسية التي اعتقدت أنها مرسلة من عند الله لإنقاذ وطنها، ودفع العدو عنه، وادعت أنها تسمع صوت الوحي، فأخلصت في دعوتها وتوصلت بصدق إرادتها إلى رئاسة جيش صغير تغلبت به على العدو، ثم ماتت غبّ انتصارها لما خذلها قومها، ووقعت في يد عدوها فألقوها في النار حية، وقد ذهبت تاركة وراءها اسما يذكر في التاريخ، وقد حظيت بتعظيم قومها، وإجلالهم لها، حتى قررت الكنيسة الكاثوليكية قداستها فيما بعد موتها بزمن (?).
ومما يؤسف أن هذا التصوير الذي يصورون به ظاهرة الوحي قد سرت شبهته إلى كثير من المسلمين المرتابين، الذين يقلدون هؤلاء الماديين في نظرياتهم المادية أو يقتنعون بها، وأغلب هؤلاء من المتعلمين الذين تلقوا العلم في الغرب، وليس عندهم من الثقافة الإسلامية العميقة ما يعصمهم من الانسياق وراء هؤلاء.
ولأجل أن يؤيدوا فكرة الوحي النفسي ذكروا مقدمات تخيلوها أو تصيدوها زاعمين أنها أساس هذه التشريعات والعلوم التي امتلأ بها عقل النبي الباطن ثم فاضت بها نفسه فقالوا:
أ- إن محمدا كان يصحب عمه أبا طالب في كثير من رحلاته التجارية وأنه استفاد من هذه الرحلات بما كان يسمعه من الأعراب الذين كانوا يسكنون الديار التي يمر عليها كديار ثمود، ومدين وغيرهما، وما كان يسمعه من أحبار اليهود ورهبان النصارى وذلك مثل بحيرى الراهب الذي لقيه في مدينة «بصرى» بالشام، وقالوا: إنه كان نسطوريّا من أتباع «آريوس» في التوحيد، وينكر ألوهية المسيح، وعقيدة التثليث، وإن محمدا لا بدّ أن يكون علم منه عقيدته بل غالى بعضهم فزعم أنه كان معلما للنبي ومصاحبا له بعد رسالته.
2 - إن ورقة بن نوفل كان من متنصّرة العرب العالمين بالنصرانية وكان