العشر، أو السورة، يقرأها على أصحابه، ويحفظهم إياها، ويفقههم بها ويبين لهم طريقة أدائها، وآداب تلاوتها، كي يحفظوا اللفظ، ويفقهوا المعنى، ويلتزموا ما نزل عملا، وسلوكا، ويستقيموا عليه.
وقد أحل الصحابة- رضوان الله عليهم- القرآن في المحل الأول من نفوسهم، وأنزلوه المنزلة اللائقة به، يتنافسون في حفظ لفظه، ويتسابقون في فقه معناه، وجعلوه متعبدهم في ليلهم، ومسلاتهم في فراغهم، وصاحبهم في أسفارهم، وأنيسهم في وحدتهم، وصديقهم الصدوق، في منشطهم، ومكرههم، ومستشارهم الأمين في شئون دينهم ودنياهم وما ظنك بكتاب يعتقدون- وحق لهم ذلك- أن تلاوته عبادة، والاشتغال به من أعظم القربات إلى الله: وأن عزهم لن يكون إلا به، وسعادتهم في الدنيا والآخرة لن تتحقق إلا بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والتأدب بآدابه، والتخلق بأخلاقه، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على قوم يقدم أكثرهم قراءة للقرآن، وإذا بعث بعثا جعل إمامهم في صلاتهم أكثرهم أخذا للقرآن، بل إذا جمع بين اثنين أو أكثر في قبر لضرورة- كما حدث في شهداء أحد- سأل: «أيهم أكثر أخذا للقرآن» فإذا أشير إليه قدمه في اللحد (?).
ولم يكن همهم من القراءة مجرد الحفظ من غير تدبر وفهم كما هو الشأن في كثير من الحفاظ اليوم، وإنما المراد الحفظ، والفهم، فالعلم، فالعمل بما حفظوا وعلموا، روي عن أبي عبد الرحمن السلمي (?) قال:
حدثنا الذين كانوا يقرءوننا القرآن كعثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود، وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا عن النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يتجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعا. فالقراء في الصدر الأول كانوا فقهاء فاهمين، وعلماء عاملين