الشبهة العاشرة:

قالوا: كيف اعتمدتم المصحف وفيه من الخطأ الظاهر واللحن والاختلاط ما لا يكاد يخفى على من له علم بالعربية ومثلوا لذلك بما يأتي:

أ- قوله تعالى: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ [البقرة: 177] والظاهر «والصابرون».

ب- قوله تعالى: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [الأنبياء: 3]، ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ [المائدة: 71] والظاهر أن يقول: (وأسرّ) (عمي) (صمّ).

ج- قوله تعالى: لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ [المنافقون: 10] وكان الظاهر أن يقول «وأكون».

والجواب:

أن هذه مزاعم باطلة منشؤها الجهل بلغات العرب ومذاهبهم في الخطاب، وأساليبهم في البيان، وقد شاء الله سبحانه- وله الحكمة البالغة- أن يجيء القرآن الكريم- عدا اللغة القرشية السائدة فيه- مشتملا على بعض لغات العرب واستعمالاتهم سواء في ذلك الفصيح والأفصح ولذلك سر؛ ذلك أن القرآن هو كتاب العربية الأكبر، وجامعة العرب الكبرى، ومرجعهم الأوثق في معرفة أساليب العرب في البيان، ومذاهبهم في التعبير، فكان الأليق والأوفق أن يأتي مشتملا على المقبول السهل منها غير المستهجن والمستثقل، ليجد العرب فيه ما يرضي أذواقهم وملكاتهم، وإليك بيان وجه الحق فيما ذكر.

أ- أما قوله: وَالصَّابِرِينَ فهو منصوب على المدح يعني وأمدح الصابرين، وإنما غاير في الأسلوب، ولم يأت على نسق ما سبقه، تبيانا لفضيلة الصبر، وبيان منزلته من البر، فكأن الله سبحانه يبين لنا أنه وإن جاء في الذكر آخرا فهو بمكان من الفضيلة والمثوبة الحسنة. وقد قدمت عن أئمة اللغة والنحو ما للعرب من التفنن في النصب على الاختصاص، وغير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015