وصنف فيه كتابا وسبقه إليه ابن منية، ولما قال أبو الوليد ذلك طعن فيه ورمي بالزندقة وسب على المنابر، ثم عقد له مجلس فأقام الحجة على مدعاه وكتب إلى علماء الأطراف، فأجابوا بما يوافقه، ومعرفة الكتابة بعد أميته صلى الله عليه وسلم لا ينافي المعجزة، بل هي معجزة أخرى لكونها من غير تعليم، وقد رد بعض الأجلة كتاب الباجي لما في الحديث الصحيح «إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب» وقال: كل ما ورد في الحديث من قوله: «كتب» فمعناه أمر بالكتابة كما يقال كتب السلطان بكذا لفلان، وتقديم قوله تعالى: مِنْ قَبْلِهِ على قوله سبحانه وَلا تَخُطُّهُ كالصريح في أنه عليه الصلاة والسلام لم يكتب مطلقا، وكون القيد المتوسط راجعا لما بعده غير مطرد، وظن بعض الأجلة رجوعه إلى ما قبله وما بعده، فقال: يفهم من ذلك أنه عليه الصلاة والسلام قادرا على التلاوة والخط بعد إنزال الكتاب ولولا هذا الاعتبار لكان الكلام خلوا عن الفائدة: وأنت تعلم أنه لو سلم ما ذكره من الرجوع لا يتم أمر الإفادة، إلا إذا قيل بحجية المفهوم، والظان ممن لا يقول بحجيته، ثم قال الآلوسي في تفنيد هذه الردود ما نصه: ولا يخفى أن قوله عليه الصلاة والسلام «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب» ليس نصا في استمرار نفي الكتابة عنه عليه الصلاة والسلام، ولعل ذلك باعتبار أنه بعث عليه الصلاة والسلام وهو وأكثر من بعث إليهم، وهو بين ظهرانيهم من العرب أميون، لا يكتبون ولا يحسبون، فلا يضر عدم بقاء وصف الأمية في الأكثر بعد، وأما ما ذكر من تأويل «كتب» بأمر بالكتابة فخلاف الظاهر، وفي شرح صحيح مسلم للنووي عليه الرحمة نقلا عن القاضي عياض. أن قوله في الرواية التي ذكرناها «ولا يحسن يكتب فكتب» كالنص في أنه صلى الله عليه وسلم كتب بنفسه فالعدول عنه إلى غيره مجاز لا ضرورة إليه، ثم قال: وقد طال كلام كل فرقة في هذه المسألة، وشنعت كل فرقة على الأخرى في هذا فالله تعالى أعلم (?) والذي يترجح عندي أنه صلى الله عليه وسلم تعلم الكتابة بعد أن لم يكن يعلمها وكفى في هذا دليلا حديث البخاري، ومستبعد جدّا