الواجبات وأعظم الفرائض على الأمة
6 - ما زعم من أن آية وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ الآية، من كلام أبي بكر إغراق في الجهل وإسراف في الوهم، والآية قد نزلت بعد أحد وحفظها كثير من الصحابة؛ ذلك أن المسلمين لما أصيبوا في أحد وأشيع بأن الرسول قد قتل اختل نظام الجيش، وفر الكثيرون، وقال بعضهم ليت لنا رسولا إلى عبد الله ابن أبي فيأخذ لنا أمانا من أبي سفيان، وبعضهم جلسوا وألقوا ما بأيديهم من السلاح، وقال أناس من أهل النفاق إن كان محمد قتل فالحقوا بدينكم الأول فقال أنس بن النضر عم أنس ابن مالك: يا قوم إن كان محمد قتل فإن رب محمد لم يقتل، وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتلوا على ما قاتل عليه، وموتوا على ما مات عليه، ثم ألقى بنفسه في القتال حتى لقي ربه شهيدا فأنزل الله هذه الآية ليبين لهم خطأهم فيما فعلوا وقالوا، حينما علموا أن الرسول قد قتل، وأن النبوة لا تقتضي الخلود، وأنه كغيره من الأنبياء، يجوز عليه ما جاز عليهم، وكأن هذا الحاقد الجاهل قد التبس عليه الأمر بما جرى بعد وفاة الرسول، فقد أنكر عمر- في سورة الغضب، وغمرة الحزن- موت الرسول وتوعد من يقول ذلك وغفل عن هذه الآية، وما أن جاء الصديق ودخل على رسول الله وقبله وقال: «طبت حيّا وميتا» حتى قال: على رسلك يا عمر، ثم حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حيّ لا يموت، ثم تلا الآية وَما مُحَمَّدٌ إلخ، قال عمر: «فو الله ما إن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى وقعت إلى الأرض ما تحملني قدماي» (رواه البخاري) إذ قد تحقق ما غاب عنه من أن موت الرسول حق لا شك فيه.
وأما آية وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى فليست من كلام عمر، وإنما المروي أن عمر قال: لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى بصيغة التمني، فنزلت الآية آمرة بالاتخاذ، فأين أسلوب التمني من الأمر وكون القرآن يوافق عمر في أشياء كان له فيها رأي واجتهاد لا يدل على أنه من كلام عمر