وسمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يسمعه غيرهم، ورأوا من أحواله ما لم يره غيرهم، وكان ابن مسعود- رضي الله عنه- من أعلم الصحابة بعلوم القرآن ولا سيما علم أسباب النزول، وعلم المكي والمدني، وعلم قراءاته، روى البخاري بسنده عنه أنه قال: «والله الذي لا إله غيره ما من آية من كتاب الله إلا وأعلم أين نزلت وفيم نزلت ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه المطي لركبت إليه».
فإن خفي عليهم من القرآن شيء لم يدركوه بفطرتهم اللغوية، ومعارفهم المكتسبة، رجعوا فيه إلى «النبي» فيعلمهم إياه، فمن ثمّ تجمع لهم من علم «القرآن» شيء كثير.
روى البخاري (?) أنه لما نزل قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) [سورة الأنعام: 82] اهتم الصحابة، وقالوا: أينا لم يظلم نفسه فبين لهم النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بالظلم:
الشرك، أخذا من قول الله تعالى: يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [سورة لقمان: 13].
وروى البخاري: أنه لما نزل قوله تعالى: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [سورة البقرة: 187] عمد «عدي ابن حاتم» إلى عقالين، أحدهما: أبيض، والآخر: أسود، ووضعهما تحت وسادة حتى بين له النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بالخيطين بياض النهار وسواد الليل (?) ... وغير ذلك كثير.
ولم يكن همّ الصحابة حفظ ألفاظ القرآن فحسب؛ بل جمعوا إلى حفظ اللفظ فهم المعنى، وتدبر المراد، والعمل بمقتضى ما تضمنه من الأحكام والآداب.
قال «أبو عبد الرحمن السلمي» (?): حدثنا الذين كانوا يقرءوننا القرآن،