وبحسبك شاهدا على هذا ما كان من الفاروق «عمر» - رضي الله عنه- مع هشام بن حكيم حتى هم أن يأخذ بتلابيبه وهو في الصلاة، وما كان من «أبي» و «ابن مسعود»، و «عمرو بن العاص» مع غيرهم، وأن الصحابة إنما اختلفوا وتنازعوا في قراءة بعض الألفاظ، ورفعوا الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يعلموا: أن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فلما علموا بهذه الحقيقة اطمأنوا، وقطع بينهم دابر الشقاق والمراء.
اختلف العلماء في المراد بالأحرف السبعة على أقوال كثيرة، وقد أوصلها «ابن حبان» إلى خمسة وثلاثين قولا، ونقلها عنه «السيوطي» في الإتقان، وسنذكر أشهر هذه الأقوال وأهمها، ونناقش كل قول مناقشة موضوعية خالية من التعصب لقول، أو التحيف على آخر، على ضوء ما قدمنا من روايات، وما استنتجناه من أصول، ومن غير نظر إلى قائله ومنزلته، والحق لا يعرف بالرجال، وإنما يعرف الرجال بالحق، ومن الله نستمد التوفيق والعصمة من الزلل.
إن الحديث من المشكل الذي لا يدرى معناه؛ لأن الحرف يصدق في لغة على حرف الهجاء، وعلى الكلمة، وعلى المعنى، وعلى الجهة، فهو مشترك لفظي لا يدرى أي معانيه هو المراد.
وهذا القول نسب إلى «أبي جعفر محمد بن سعدان النحوي» ونحا نحوه الحافظ السيوطي في شرحه (?) على سنن النسائي حيث قال- بعد ذكر الحديث-: في المراد به أكثر
من ثلاثين قولا، حكيتها في الإتقان، والمختار عندي: أنه من المتشابه الذي لا يدرى تأويله.
وهذا الرأي بمعزل عن التحقيق؛ فإن مجرد كون اللفظ مشتركا لفظيّا لا يلزم منه الإشكال ولا التوقف، وإنما يكون ذلك لو لم تقم قرينة تعين بعض