بسبب نزول آية يخبر بها الصحابي أو نحو ذلك».
وقال «الزركشي» في البرهان: «قد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال: نزلت هذه الآية في كذا، فإنه يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكم، لا أن هذا كان السبب في نزولها، فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية، لا من جنس النقل لما وقع».
قد علمت مما تقدم من أن قول الصحابي في سبب النزول له حكم المسند المرفوع، وأما قول التابعي في أسباب النزول فهو مرفوع أيضا، لكنه مرسل لحذف الصحابي، وقد يقبل إذا صح السند إليه، وكان الراوي من أئمة التفسير الآخذين عن الصحابة كمجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير أو اعتضد بمرسل آخر، أو نحو ذلك.
تفريع على ما تقدم: وعلى هذا إذا وردت روايتان أو أكثر، وكانت إحداهما نصّا في بيان سبب النزول والثانية ليست نصّا فيه، أخذنا في السببية بما هو نص، وحملنا الأخرى على بيان المعنى؛ مثل ذلك ما أخرجه «مسلم» في صحيحه عن جابر قال: «كانت اليهود تقول من أتى امرأة من دبرها في قبلها جاء الولد أحول، فأنزل الله سبحانه: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة: 222] الآية» أي من أي جهة شئتم، أو على أي حال شئتم، فأنى للكيفية، والحال، لا للمكان.
وما أخرجه البخاري عن ابن عمر قال: أنزلت نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ... في إتيان النساء في أدبارهن، يعني في تحريم ذلك.
فالمعتمد عليه في بيان السبب هي رواية «جابر» لكونها نصّا في ذلك، أما رواية «ابن عمر» فتحمل على بيان المعنى، وحكم إتيان النساء في أدبارهن وهو التحريم، استنباطا منه، وهذا هو اللائق بالصحابي؛ القول بالتحريم.