إليه من فكرة العقل الباطن لا تساعدهم بل ترد عليهم.
وبعد: فلعلك أيقنت أن ما ذهبوا إليه من فكرة الوحي النفسي إنما قصدوا بها إبطال الوحي المحمدي، ولكن يأبى الله والراسخون في العلم ذلك، يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (32) [سورة التوبة: 32].
إن تمثيلهم الوحي المحمدي بما زعمته جان دارك الفرنسية من أنها مرسلة من عند الله لإنقاذ وطنها، وأنها سمعت صوت الوحي يأمرها بذلك تجن على الرسالة المحمدية،
والوحي المحمدي، وأين الحصا من نجوم السماء، بل أين السراب من زلال الماء
إن (جاك دارك) لم تدّع النبوة، ولو أنها ادعتها لما صدّقت؛ لأن دعوى النبوة لا تثبت إلا بدليل، وهي المعجزة، وأين ما ظهر على يدها من معجزات وإنما هي فتاة قوية القلب، مرهفة الحس، أهاج وجدانها، وحركه ما كانت تتصف به من شعور ديني كريم، وما كان يعانيه قومها من ذل وعبودية، لقد تلاقى شعورها الديني، وشعورها السياسي، فاستنهضت قومها للجهاد، وقادتهم إلى التخلص من الاستعباد، وقد صادفت دعوتها هوى في نفوس قومها، فأجابوها وخرجوا معها، وكان لهم النصر على العدو، وكونها استغلت مزاعمها في إثارة النفوس وإلهاب الحماس لا يقتضي أنها صادقة فيما زعمت، وما أسهل تهييج حماس أهل فرنسا بمثل هذه المؤثرات، وبما هو أضعف منها، فإن نابليون الأول كان يسوقهم إلى الموت مختارين بكلمة شعرية يقولها ككلمته عند الأهرام، فهي لم تزد عن كونها امرأة شجاعة متدينة، امتلأ قلبها بحب بلادها، ورغبتها في تخليصها من عدوها فقادت جيشا قوامه عشرة آلاف جندي وضابط، وانتصروا على الإنجليز.
وإليك ما ذكره البستاني عنها في (دائرة معارفه) قال: «كانت متعودة