- رَحِمَهُمُ اللَّهُ - سَلَّطَ عَلَيْهِمْ النَّوْمَ وَالنِّسْيَانَ ثُمَّ يَتَذَكَّرُ بِهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ إذْ أَنَّ الْيَقِظَةَ فِيهَا حَرَارَةٌ، فَلَوْ تَمَادَتْ عَلَى الْبَشَرِيَّةِ لَأَهْلَكَتْهَا، سِيَّمَا وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ لَهُمْ الرَّغْبَةُ فِيمَا هُمْ بِصَدَدِهِ مِنْ طَلَبِ دُنْيَا، وَالْعَمَلِ فِي أَسْبَابِهَا أَوْ عِلْمٍ أَوْ عَمَلٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَوْ وَكَّلَ الْأَمْرَ إلَيْهِ فِيهِ لَحَرَمَ نَفْسَهُ النَّوْمَ أَلْبَتَّةَ لِقُوَّةِ الْحِرْصِ عَلَى مَا هُوَ بِسَبِيلِهِ، فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى النَّوْمَ يَأْتِيهِ قَهْرًا رَحْمَةً بِهِ هَذَا وَجْهٌ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهِ حَرَارَةٌ، وَالنَّوْمَ فِيهِ سُكُونٌ، وَبُرُودَةٌ فَيَعْتَدِلُ مِزَاجُهُ بِذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [الذاريات: 49] ، وَهَذِهِ مِنْهُ يَقِظَةٌ وَنَوْمٌ حَرَارَةٌ وَبُرُودَةٌ ذَكَرٌ وَأُنْثَى صَحِيحٌ وَمَرِيضٌ طَائِعٌ وَعَاصٍ مُؤْمِنٌ وَكَافِرٌ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ ذَلِكَ رَحْمَةً لِلْعَبْدِ بِفَضْلِهِ، وَحَرَسَهُ مَعَ ذَلِكَ فِي نَوْمِهِ كَمَا حَفِظَهُ فِي حَالِ يَقَظَتِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} [الأنبياء: 42] ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص: 73] فَسُبْحَانَ الْمُنْعِمِ الْمَنَّانِ
فَصْلٌ فِي آدَابّهِ فِي الِاجْتِمَاعِ بِأَهْلِهِ
فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إلَى أَهْلِهِ فَالسُّنَّةُ الْمَاضِيَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَعَهُ أَحَدٌ فِي الْبَيْتِ غَيْرَ زَوْجَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ، إذْ ذَاكَ.
وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إذَا كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إلَى أَهْلِهِ أَخْرَجَ الرَّضِيعَ مِنْ الْبَيْتِ، وَقَدْ قَالُوا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَهِرٌّ فِي الْبَيْتِ، وَذِكْرُ الْهِرِّ مِنْهُمْ تَنْبِيهٌ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ يَكُونُ سَالِمًا مِنْ عَيْنَيْنِ تَنْظُرَانِ إلَيْهِ؛ إذْ أَنَّ ذَلِكَ عَوْرَةٌ، وَالْعَوْرَةُ يَتَعَيَّنُ سَتْرُهَا، وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي فِعْلِ ذَلِكَ أَوَّلَ اللَّيْلِ أَوْ آخِرَهُ لَكِنَّ أَوَّلَ اللَّيْلِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْغُسْلِ يَبْقَى زَمَنُهُ مُتَّسِعًا بِخِلَافِ آخِرِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ قَدْ يَضِيقُ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَئُولُ إلَى تَفْوِيتِ الصُّبْحِ