الَّتِي هِيَ عِنْدَهُ لَتَشَوَّشَ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ لَا يُقْرِضُهُ ثَمَنَ ذَلِكَ إلَّا بِكُرْهٍ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً. وَكَذَلِكَ مَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمَفَاسِدِ مِثْلُ عَدَمِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَكَذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ دُخُولِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ عَلَيْهِمْ وَالسَّلَفِ وَالصَّرْفِ وَغَيْرِهِمَا، وَهَذِهِ الْمَعَانِي وَغَيْرُهَا كَثِيرَةٌ بَيْنَهُمْ فَإِذَا كَانَ الْعَالِمُ يُبَاشِرُهُمْ فِي ذَلِكَ انْحَسَمَتْ مَادَّةُ الْمَفَاسِدِ وَقَلَّ وُقُوعُهَا بِبَرَكَةِ الْعِلْمِ الَّذِي يَدُورُ بَيْنَهُمْ وَيَنْوِي مَعَ ذَلِكَ تَرْكَ التَّكَبُّرِ وَتَرْكَ التَّجَبُّرِ وَتَرْكَ الْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ إذْ أَنَّ مَنْ دَخَلَ الْأَسْوَاقَ وَحَمَلَ سِلْعَتَهُ بِيَدِهِ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَخَلَ إلَى السُّوقِ فِي خِلَافَتِهِ فَلَمْ يَرَ فِيهِ فِي الْغَالِبِ إلَّا النَّبَطَ فَاغْتَمَّ لِذَلِكَ فَلَمَّا أَنْ اجْتَمَعَ النَّاسُ بِهِ أَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ وَعَذَلَهُمْ فِي تَرْكِهِمْ السُّوقَ، فَقَالَ لَهُ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَغْنَانَا عَنْ الْأَسْوَاقِ بِمَا فَتَحَ بِهِ عَلَيْنَا، فَقَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاَللَّهِ لَئِنْ فَعَلْتُمْ لَيَحْتَاجَنَّ رِجَالُكُمْ إلَى رِجَالِهِمْ وَنِسَاؤُكُمْ إلَى نِسَائِهِمْ وَقَدْ كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا رَأَى النَّبَطَ يَقْرَءُونَ الْعِلْمَ يَبْكِي إذْ ذَاكَ وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ الْعِلْمَ إذَا وَقَعَ لِغَيْرِ أَهْلِهِ يَدْخُلُ مِنْ الْمَفَاسِدِ مَا أَنْتَ تَرَاهُ وَاَللَّهُ يُرْشِدُنَا لِمَا فِيهِ السَّدَادُ بِمَنِّهِ. وَيَنْوِي مَعَ ذَلِكَ اتِّبَاعَ السُّنَّةِ مِنْ إرْشَادِ الضَّالِّ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَالسَّلَامِ عَلَى إخْوَانِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَرَدِّ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ وَذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي السُّوقِ إنْ شَاءَ سِرًّا، وَإِنْ شَاءَ جَهْرًا فَالسِّرُّ فِيهِ فَائِدَةٌ كُبْرَى وَهِيَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فِي مَوْضِعِ الْغَفْلَةِ وَالْجَهْرُ فِيهِ ذَلِكَ وَزِيَادَةُ تَنْبِيهٍ لِلنَّاسِ عَلَى ذِكْرِ رَبِّهِمْ وَحَدُّ الْجَهْرِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَمِنْ يَلِيهِ وَفَوْقَ ذَلِكَ قَلِيلًا وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِحَيْثُ إنَّهُ يَعْقِرُ حَلْقَهُ كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ النَّاسِ وَيُضِيفُونَ إلَيْهِ التَّلْحِينَ وَالتَّرْجِيعَ، وَذَلِكَ مِنْ مُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ السَّلَفِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَحَدُّ السِّرِّ تَحْرِيكُ اللِّسَانِ بِمَا يُرِيدُهُ وَهُوَ أَنْ يَتَشَهَّدَ فَيَقُولَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ