{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157] .

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ قَدْ شَاءَ الْحَكِيمُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - تَتَشَرَّفُ بِهِ الْأَزْمِنَةُ وَالْأَمَاكِنُ لَا هُوَ يَتَشَرَّفُ بِهَا بَلْ يَحْصُلُ لِلزَّمَانِ وَالْمَكَانِ الَّذِي يُبَاشِرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْفَضِيلَةُ الْعُظْمَى وَالْمَزِيَّةُ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ جِنْسِهِ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ لِأَجْلِ زِيَادَةِ الْأَعْمَالِ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَلَوْ وُلِدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَوْقَاتِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا لَكَانَ ظَاهِرُهُ يُوهِمُ أَنَّهُ يَتَشَرَّفُ بِهَا فَجَعَلَ الْحَكِيمُ جَلَّ جَلَالُهُ مَوْلِدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَيْرِهَا لِيَظْهَرَ عَظِيمُ عِنَايَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ وَكَرَامَتُهُ عَلَيْهِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي «قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلسَّائِلِ الَّذِي سَأَلَهُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ يَوْمٌ وُلِدْت فِيهِ وَلَمَّا أَنْ صَرَّحَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ذَلِكَ يَوْمٌ وُلِدْت فِيهِ» عُلِمَ بِذَلِكَ مَا اخْتَصَّ بِهِ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ مِنْ الْفَضَائِلِ وَكَذَلِكَ الشَّهْرُ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِنْ كَانَ «يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ» وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْفِهْرِيُّ الْمَشْهُورُ بِالطُّرْطُوشِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُعْظَمُ الْعُلَمَاءِ وَالْأَخْيَارِ أَنَّهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَقَوَّى - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَلِكَ بِحَدِيثٍ قَالَ فِي كِتَابِهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ وَذَكَرَ فِيهِ «أَنَّ آدَمَ خُلِقَ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ مَا بَيْنَ الْعَصْرِ إلَى اللَّيْلِ انْتَهَى» ؛ لِأَنَّ آدَمَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَهُوَ سَاكِنُ الدَّارِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْخِطَابِ إذْ أَنَّ الدَّارَ لَا تُرَادُ لِنَفْسِهَا بَلْ لِسَاكِنِهَا. قَالَ وَقَدْ كَانَتْ فَاطِمَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إذَا صَلَّتْ الْعَصْرَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ تَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَتُقْبِلُ عَلَى الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَلَا تُكَلِّمُ أَحَدًا حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَتَقُولُ إنَّ السَّاعَةَ الْمَذْكُورَةَ هِيَ فِي ذَلِكَ الْوَقْت وَتُؤْثِرُ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَإِذَا كَانَتْ تِلْكَ السَّاعَةَ الَّتِي وُجِدَ فِيهَا آدَم - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

طور بواسطة نورين ميديا © 2015