اللجنة.
ولم يخرج الشيخ (رحمه الله) من بلاده حتى علا قدره، وذاع صيته، وعظمت منزلته بين الخاص والعام والقاصي والداني، وصار عَلَمًا من أعلام البلاد، وموضعًا لثقة الجميع.
سافر الشيخ (رحمه الله) من بلاده لسبع مضين من جمادى الآخرة، من سنة سبع وستين وثلاثمائة وألف، قاصدًا الحج عن طريق البر على نية العودة بعد ذلك إلى البلاد، وقد كانت تلك السفرة حافلة بالفوائد والمباحثات العلمية القيمة التي تبرهن على رسوخ الشيخ في العلم، وطول باعه فيه، يُسلِّم بذلك كل من قرأ ما دَوَّنه في تلك الرحلة بعنوان: "الرحلة إلى بيت الله الحرام".
وبعد فراغ الشيخ من مناسك الحج توجه صوب المدينة النبوية، ثم عزم على البقاء والاستقرار فيها، وكان (رحمه الله) يقول: "ليس من عملٍ أعظم من تفسير كتاب الله في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".
وقد كان لاستقراره في هذه البلاد أثر ظاهر في زيادة اطلاعه، وتوسيع دائرة علمه؛ ذلك أن الدراسة في بلاده كانت منصبة على الفقه في مذهب الإمام مالك خاصة دون غيره من المذاهب، إضافة إلى علوم العربية، والأصول، والسيرة، والتفسير، والمنطق، ولم تكن دراسة الحديث تحظى بما يحظى به غيرها، لاقتصار الناس على مذهب مالك (رحمه الله).