بن حَنْبَل رَضِي الله عَنهُ وأرضاه وَجعل الْجنَّة منقلبه ومثواه وَإِنَّمَا منع الِاشْتِغَال بِهِ اشتغالا كالاشتغال بالسنن أُمُور أَحدهَا كَونه مُرَتبا على أَحَادِيث الصَّحَابَة وَهَذَا التَّرْتِيب أصبح غير مألوف عِنْد المتوسطين والمتأخرين فَصَارَ بِحَيْثُ لَو أَرَادَ مُحدث أَن يجمع أَحَادِيث بَاب مِنْهُ احْتَاجَ إِلَى مطالعته من أَوله إِلَى آخِره وَهَذَا أَمر عسير جدا
ثَانِيهَا عزة وجوده لطوله فَإِنَّهُ قد ضم ثَلَاثِينَ ألف حَدِيث وَزَاد عَلَيْهِ وَلَده الإِمَام عبد الله عشرَة آلَاف حَدِيث فَصَارَ أَرْبَعِينَ ألفا وَقد بلغنَا أَن الْحفاظ الْكِبَار كَانُوا يعْجبُونَ إِذا ظفروا بأجزاء مِنْهُ وَلم يطلع عَلَيْهِ بِتَمَامِهِ إِلَّا النَّادِر وَلَقَد كنت سَمِعت من بعض مَشَايِخنَا الْحَنَابِلَة مِمَّن لَهُم إِلْمَام بِالْحَدِيثِ يَزْعمُونَ أَن الْمسند قد غرق فِي دجلة بَغْدَاد وينكر وجوده فَكنت أفند مزاعمه وَأَقُول لَهُ إِنِّي اطَّلَعت على معظمه فِي خزانَة الْكتب العمومية بِدِمَشْق فيصر على مَا زَعمه وَيَقُول هَذَا مُسْند عبد الْكَرِيم ثمَّ إِن الْكتاب طبع وتجلى للعيان
ثَالِثهَا أَن عزة وجوده كَانَت سَببا لعدم خدمته كَمَا خدمت السّنَن وَغَيرهَا من كتب الحَدِيث وَمَعَ هَذَا فَلم يعْدم معتنيا بِهِ وَقد وَقع لَهُ فِيهِ من الثلاثيات مَا ينوف عَن ثَلَاثمِائَة حَدِيث ثلاثية الْإِسْنَاد وَقد كنت رَأَيْت شرحا لَهَا للعلامة مُحَمَّد بن أَحْمد السفاريني الْحَنْبَلِيّ ثمَّ غَابَ عني وَقد طلب مني أحد أفاضل النجديين شرحها فابتدأت بِهِ وَأَنا أسأَل الله تَعَالَى أَن يمن بإتمامه وطبعه وَقد حكى الْحفاظ أَن الإِمَام أَحْمد اشْترط أَن لَا يخرج فِي مُسْنده