وَلَا مدْخل للترجيح أَيْضا فِي القطعيات لِأَنَّهُ لَا غَايَة وَرَاء الْقطعِي وَقَوْلنَا من الْأَلْفَاظ المسموعة أردنَا بِهِ نُصُوص الْكتاب وَالسّنة فيدخلها التَّرْجِيح فَإِذا تعَارض نصان فَأَما أَن يجهل تاريخهما أَو يعلم فَإِن جهل قدمنَا الْأَرْجَح مِنْهَا بِبَعْض وُجُوه التَّرْجِيح وَإِن علم تاريخهما فإمَّا أَن يُمكن الْجمع بَينهمَا بِوَجْه من وُجُوه الْجمع أَو لَا فَإِن أمكن جمع بَينهمَا من حَيْثُ يَصح الْجمع إِذْ الْوَاجِب اعْتِبَار أَدِلَّة الشَّرْع جَمِيعهَا مَا أمكن وَإِن لم يُمكن الْجمع فَالثَّانِي نَاسخ إِن صَحَّ سندهما أَو أَحدهمَا كذب إِن لم يَصح سَنَده إِذْ لَا تنَاقض بَين دَلِيلين شرعيين لِأَن الشَّارِع حكم والتناقض يُنَافِي الْحِكْمَة فأحد المتناقضين يكون بَاطِلا إِمَّا لكَونه مَنْسُوخا أَو لكذب ناقله أَو لخطئه بِوَجْه مَا من وُجُوه تصفح أُمُورهم فِي النقليات أَو لخطأ النَّاظر فِي العقليات كالإخلال بشكل الْقيَاس أَو شَرطه وَنَحْو ذَلِك
وَقد يخْتَلف اجْتِهَاد الْمُجْتَهدين فِي النُّصُوص إِذا تَعَارَضَت فَمنهمْ من يسْلك طرق التَّرْجِيح وَمِنْهُم من يسْلك طَرِيق الْجمع وَالصَّوَاب تَقْدِيم الْجمع على التَّرْجِيح مَا أمكن إِلَّا أَن يُفْضِي الْجمع إِلَى تكلّف يغلب على الظَّن بَرَاءَة الشَّرْع مِنْهُ وَيبعد أَنه قَصده فَيتَعَيَّن التَّرْجِيح ابْتِدَاء
إِذا علم هَذَا فَاعْلَم أَن التَّرْجِيح الْوَاقِع فِي الْأَلْفَاظ إِمَّا أَن يكون من جِهَة الْمَتْن أَو السَّنَد أَو الْقَرِينَة
أما من جِهَة السَّنَد فَيقدم الْمُتَوَاتر على الْآحَاد القطعية