حَيْثُ النَّاس نَاس يعْرفُونَ الفضيل ويقرون بِهِ وَأما الْيَوْم فالتقديم بالغنى وَقلة الْحيَاء وَالْجهل الْمركب يعْتَقد الْجَاهِل فِي نَفسه أَنه أعلم الْعلمَاء فيزاحم أهل الفضيل وَلَا يقر لأحد وَلَو ألقيت عَلَيْهِ أقل مَسْأَلَة وجم وَسكت وقابلك بالسفاهة والحمق وَلَو قلت لَهُ هَذَا حَدِيث مَوْضُوع لقَالَ لَك أَنْت تكذب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعلا صَوته وَانْتَفَخَتْ أوداجه وَجمع عَلَيْك الْعَامَّة وَرُبمَا أذوك بِالضَّرْبِ والشتم والإخراج عَن الدّين وَمِمَّا ابتدع فِي زَمَاننَا أَنهم يجمعُونَ أهل العمائم فينتخبون مفتيا ويسمونه رَئِيس الْعلمَاء ثمَّ تقرره الْحُكُومَة مفتيا ويحصرون الْفَتْوَى فِيهِ فكثيرا مَا ينَال هَذَا المنصب الْجَاهِل الْغمر الَّذِي لَو عرضت عَلَيْهِ عبارَة بعض كتب الْفُرُوع مَا عرف لَهَا قبيلا من دبير فنسأل الله حسن الْعَاقِبَة
على أَن اخْتِصَاص وَاحِد بِمنْصب الْإِفْتَاء لَا يقبل الْحَاكِم الْفَتْوَى إِلَّا مِنْهُ لم يكن مَعْرُوفا فِي الْقُرُون الأولى وَإِنَّمَا كَانَ الْإِفْتَاء موكولا إِلَى الْعلمَاء الْأَعْلَام وَاسْتمرّ ذَلِك إِلَى أَن دخل السُّلْطَان سليم العثماني دمشق سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة من الْهِجْرَة وامتلكها فَرَأى كَثْرَة المشاغبات بَين المدعين للْعلم خصص إِفْتَاء كل مَذْهَب بِرَجُل من علمائه الأفاضل قطعا للمشاغبات ثمَّ طَال الزَّمن فَتَوَلّى هَذَا المنصب الْجَلِيل كثير مِمَّن لَا يدْرِي مَا هِيَ الْأُصُول وَمَا هِيَ الْفُرُوع فوسد الْأَمر إِلَى غير أَهله وَأعْطى الْقوس غير باريها
هَذَا فَإِن اسْتَوَى الْمُجْتَهد عِنْد المستفتي فِي الْفَضِيلَة وَاخْتلفَا عَلَيْهِ فِي الْجَواب اخْتَار الأشد مِنْهُمَا لما روى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث