وَقَوْلنَا فِي طلب ظن يُشِير إِلَى أَنه لَا اجْتِهَاد فِي القطعيات
وَقَوْلنَا بِشَيْء من الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة يخرج مَا لَو استفرغ جهده فِي طلب شَيْء من الحسيات والعقليات فَإِنَّهُ بمعزل عَن مقصودنا والمجتهد من اتّصف بِصفة الِاجْتِهَاد وَحصل أَهْلِيَّته وَقد ذكر الْعلمَاء لَهُ شُرُوطًا وَذَلِكَ أَنه لما لم يكن لَا بُد أَن يكون عَاقِلا بَالغا قد ثبتَتْ لَهُ ملكة يقتدر بهَا على اسْتِخْرَاج الْأَحْكَام من مأخذها وَلَا يتَمَكَّن من ذَلِك إِلَّا باتصافه بِأُمُور لَا جرم جعلُوا تِلْكَ الْأُمُور شُرُوطًا وَهِي أَن الْوَاجِب عَلَيْهِ أَن يعرف من الْكتاب مَا يتَعَلَّق بِالْأَحْكَامِ وَهُوَ قدر خَمْسمِائَة آيَة قَالَه الْغَزالِيّ وَغَيره
وَلَيْسَ هَذَا القَوْل بسديد وَلَيْسَ هَذَا التَّقْدِير بمعتبر وَأَن مِقْدَار أَدِلَّة الْأَحْكَام فِي ذَلِك غير منحصرة فَإِن أَحْكَام الشَّرْع كَمَا تستنبط من الْأَوَامِر والنواهي كَذَلِك تستنبط من الأقاصيص والمواعظ وَنَحْوهَا
فَقل أَن يُوجد فِي الْقُرْآن الْكَرِيم آيَة إِلَّا ويستنبط مِنْهَا شَيْء وَقد سلك هَذَا المسلك الشَّيْخ عزالدين بن عبد السَّلَام فألف كِتَابه أَدِلَّة الْأَحْكَام لبَيَان ذَلِك وَكَانَ هَؤُلَاءِ الَّذين حصروها فِي خَمْسمِائَة آيَة إِنَّمَا نظرُوا إِلَى مَا قصد مِنْهُ بَيَان الْأَحْكَام دون مَا استفيدت مِنْهُ وَلم يلتفتوا إِلَى مَا قصد بِهِ بَيَانهَا وَهل يشْتَرط حفظ الْآيَات عَن ظهر قلب أَو يَكْفِيهِ أَن يكون مستحضرا لَهَا وَالصَّحِيح الثَّانِي وَأَنه يَكْفِيهِ أَن يعرف مواقع الحكم من مظانه ليحتج بِهِ عِنْد الْحَاجة إِلَيْهِ لِأَن مَقْصُود الِاجْتِهَاد هُوَ إِثْبَات الحكم بِدَلِيل يخْتَص بِهِ وَيشْتَرط أَن يعرف من السّنة مَا يَكْفِيهِ لاستنباط الْأَحْكَام وَلَا