من عَادَة الْأُصُولِيِّينَ التَّعَرُّض لمباحث اللُّغَات فِي كتبهمْ وَذَلِكَ لِأَن هَذِه المباحث هِيَ كالمدخل إِلَى أصُول الْفِقْه من جِهَة أَنه أحد مُفْرَدَات مادته وَهِي الْكَلَام والعربية وتصور الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة
وَذَلِكَ أَن لمباحث اللُّغَات مدخلًا كَبِيرا لمن يُرِيد دُخُول أَبْوَاب الْفِقْه والاطلاع على حقائقها فأصول الْفِقْه متوقفة على معرفَة اللُّغَة لوُرُود الْكتاب وَالسّنة بهَا اللَّذين هما أصُول الْفِقْه وأدلته فَمن لَا يعرف اللُّغَة لَا يُمكنهُ اسْتِخْرَاج الْأَحْكَام من الْكتاب وَالسّنة
إِذا علمت هَذَا فَاعْلَم أَن اللُّغَة إِنَّمَا هِيَ الْأَلْفَاظ الدَّالَّة على الْمعَانِي النفسية يَعْنِي أَن الْمُتَكَلّم يتَصَوَّر فِي نَفسه نِسْبَة شَيْء لشَيْء بعد تصور مُفْرَدَات مركب يدل على النِّسْبَة بَينهمَا كَمَا يتَصَوَّر الْعلم ثمَّ يتَصَوَّر نَفعه ثمَّ يضم إِلَى ذَلِك نِسْبَة الْمَوْضُوع إِلَى الْمَحْمُول أَو نِسْبَة الْمسند إِلَى الْمسند إِلَيْهِ ثمَّ يعبر عَن تِلْكَ النِّسْبَة بِلِسَانِهِ فَيَقُول الْعلم نَافِع فَتلك الْأَلْفَاظ الدَّالَّة على هَذَا الْمَعْنى هِيَ اللُّغَة وَأَنت خَبِير بِأَن التَّصَوُّر لَا يخْتَلف حَتَّى يُقَال لَهُ تصور هندي أَو عَرَبِيّ أَو فَارسي وَإِنَّمَا الَّذِي يخْتَلف وَيُسمى بأسماء هُوَ اللَّفْظ الْمعبر بِهِ عَمَّا فِي الضَّمِير والتصور وَسبب ذَلِك الِاخْتِلَاف إِنَّمَا هُوَ