وفي كل صراع لغوي، لا تتم هذه المراحل دفعة واحدة، ولا تختفي لهجة أو لغة، إلا وقد تركت بعض مفراداتها أو تراكيبها وقواعدها، أو أثرت بأي صورة من الصور، في معاني المفردات للغة الجديدة، وبخاصة إذا كانت اللغتان من فصيلة لغوية واحدة.
والخلاصة أنه متى اجتمعت لغتان في صعيد واحد، فإنه لا مفر إطلاقا من أن تتأثر كل منهما بالأخرى، سواء في ذلك أتغلبت إحداهما على الأخرى، أم بقيت كل واحدة منهما بجوار أختها1.
على أن هذا التأثر يختلف في كمه وكيفه، ونواحي ظهوره، ونتائجه، في حالة تغلب لغة على أخرى، عنه في حالة بقائهما معا، ذلك أننا نرى اللغة الغالبة، تستسيغ وتتمثل كل ما تأخذه من الأخرى المغلوبة، مهما كثر مقداره. وفي هذه الحالة يتحول المستعار إلى عناصر من نوع عناصرها هي، ويدخل فيها فتزداد به قوة وتجدد ونشاطا، دون أن تجعل له أي مجال للتأثر في بنيتها، أو تتيح له فعل أي تغيير في تكوينها الأصلي.
أما اللغة المغلوبة، فإنها على العكس من ذلك، لا تستطيع إطلاقا أن تقضي على مقاومة ما تقذفها به اللغة الغالبة، من مفردات وقواعد وأساليب، ولا تكاد تسيغه، فتفقد وحدتها وطابعها، وبذلك تضعف بنيتها، ثم تزول شيئا فشيئا، وقد كان هذا مصير اللغات السامية، في صراعها مع العربية، في الأمصار المفتوحة، ومصير اللغة النورماندية المغلوبة، مع الإنجليزية الغالبة.