وفي هذا الدور الذي يبدأ من سقوط بغداد في القرن السابع الهجري، ويمتد إلى وقتنا الحاضر، لم ينهض الفقه من كبوته ولم يغير الفقهاء نهجهم، فالتقليد قد شاع حتى صار أمرًا مألوفًا، إلا أنه قد وجد أفراد هنا وهناك لم يرضوا بالتقليد، ونادوا بالاجتهاد المطلق، وتَلَمُّس الأحكام من الكتاب والسنة، دون تقيد بمذهب معين، إلا أن هؤلاء كانوا قلة، ولم يسلم بعضهم من النقد والإنكار من جمهور الفقهاء المقلدين.
واتجه فقهاء هذا الدور إلى التأليف، وكان الغالب عليه الاختصار حتى وصل إلى درجة الإخلال بالمعنى، وخفاء المقصود، وصارت العبارات ملغزة في هذه المختصرات، والتي سميت بالمتون احتاجت إلى شروح توضح معانيها، وتزيل الغموض عن عبارتها.
ثم ظهرت بجانب الشروح: الحواشي، وهي تعليقات، وملاحظات على الشروح.
إلا أن التأليف لم يقتصر على ما ذكرنا، فقد وجدت كتب الفتاوى وهي أجوبة لما كان الناس يسأل عنه الفقهاء في مسائل الحياة العملية، ثم تجمع هذه الأجوبة من قبل أصحابها، أو من قبل آخرين، وتنظم وترتب حسب أبواب الفقه.
كما أن هذه الفتاوى غالبًا ما يذكر معها أدلتها من نصوص المذهب الذي يتبعه الفقيه المفتي، أو تذكر الأدلة من الكتاب والسنة، وغيرهما دودن تقيد بأدلة المذهمب الواحد.
* * *
ظل الفقه مقنن طيلة العصور وحتى أواخر القرن الماضي، فكان الحكام، والقضاة يرجعون إلى كتب الفقه المختلفة لمعرفة الأحكام الفقهية الواجب تطيقها على ما يعرض عليهم من منازعات.
وفي أواخر القرن الثالث عشر الهجري تنبهت الدولة العثمانية، ورأت الحاجة
ماسة إلى تقنين أحكام المعاملات، فائفت لجنة من كبار الفقهاء برئاسة وزير العدل لتخير أحكام المعاملات من الفقه الحنفي، وبدأت هذه اللجنة عملها في سنة (1232 هـ - 1869 م) .
وانتهت منه في سنة (1239 هـ - 1876م) .
وقد تخيرت الراجح من آراء المذهب الحنفي، كما أخذت بعض الأقوال المرجوحة في المذهب لموافقتها للعصر، ولسهولتها وتيسرها على الناس.
ثم وُضعت تلك اللجنة الأحكام التي اختارها على شكل مواد بلغت (1851)