ونرى أن الإجابة عليها تمثل ما يمكن أن نطلق عليه (نظريات أصول الفقه) التي عددنا منها الآن سبع نظريات كلية، يمكن أن يعمل فيها النظر لزيادتها، أو ضم بعضها إلى بعض.
إلا أن معالجة مسائل الأصول من خلال هذه النظريات تمكِّن من فهم أعمق لتلك المسائل، وتظهر مبنى الخلاف وسببه، وتساعد في اختيار وترجيح رأي على رأي آخر، كما أنها تُبينِّ فائدة إثارة مسائل لا يمكن معرفة فائدتها من دون الدخول إليها من خلال هذه النظريات.
وكذلك تبين فائدة بعض الأدلة التي ثار حولها جدل قديم مثل دليل الإجماع:
* * *
ما الحجة التي نأخذ منها الأحكام؟
هذا السؤال الأول كانت الإجابة عليه هي: أننا
نأخذ الأحكام من القرآن باعتباره النص الموحى به، المعصوم من التحريف، المنقول إلينا بالتواتر، وباعتباره كلمة اللَّه الذي نؤمن بأنه الخالق، وأننا ملتزمون في هذه الحياة الدنيا بما أمر ونهي (افعل أو لا تفعل) ، وأن هذه الأحكام مقياس المؤاخذة في يوم آخر،
يرجع فيه البشر إلى خالقهم للحساب (العقاب والثواب) .
ومن هنا يتضح لنا استمداد أصول الفقه من علم الكلام، فإذا كان القرآن هو المصدر والأساس للتشريع تأتي السُّنَّة مبينة، ومتمِّمة للقرآن، حيث ثبت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - مبلِّغ عن ربه، وأن الأمر متوجِّه لطاعة ذلك الرسول، واعتبار عصمة بيانه عن الخطأ.
* * *
فإذا ثبت هذا في القرآن، وفي السُّنَّة، تأتي نظرية الإثبات، وهي مكونة من رؤية كاملة إلى قضية نَقْل النص شفاهةً عبر الناقلين، وما استلزم هذا من إيجاد علوم خادمة من: الجرح والتعديل، ومن علم مصطلح الحديث، وعلوم القراءات لنقل وضبط النص الشرعي.
وبهذه العلوم تم التثبت من النقل فبعد مرحلة بيان الحجية تأتي مرحلة إثبات ما قد تبين أنه حجة.
وقد يظهر في هذا البيان دور ولكن ينفك الدور لانفكاك جهة الإثبات، فالحجية للقرآن والسُّنَّة جاءت في أغلبها وأساسها من أدلة عقلية، ثم ثبوت القرآن والسُنَّة حصل من واقع للنقل مضبوط بأدلة نقلية.