موضع آخر، فتارة ينبه على ذلك بقوله: " قد سبق "، وتارة لا ينبه عليه.
وللمصنف في كتابه مصطلحات في إطلاق الخلاف غير ما تقدم ...
فلا حاجة إلى الإطالة بذكرها، وفيما ذكرنا كفاية.
* * *
مرجع معرفة الصحيح والترجيح في المذهب إلى أصحابه، وقد حَرَّرَ ذلك الأئمة المتأخرون، فالاعتماد في معرفة الصحيح من المذهب على ما قالوه، ومن أعظمهم
الشيخ الموفق لا سيما في الكافي، والنجم المسدد، والشارح، والشيخ تقي الدين، والشيخ زين الدين بن رجب، وصاحب الرعايتين خصوصًا في الكبرى، والخلاصة، والنجم، والحاويين، والوجيز، والمنور، ومنتخب الأدمي، وتذكرة ابن عبدوس،
والزركشي وأضرابهم؟ فإنهم هذبوا كلام المتقدمين، ومهدوا قواعد المذهب بيقين.
* * *
فإن اختلفوا فالمرجع إلى ما قاله الشيخان، أعني: الموفق والمجد، ثم ما وافق أحدهما الآخر في أحد اختياريه، فإن اختلفا من غير مشارِك لهما، فالموفق ثم المجد، وإلا ينظر فيمن شاركهما من الأصحاب، لا سيما إن كان الشيخ تقي الدين أو ابن رجب.
وقد قال العلامة ابن رجب في طبقاته في ترجمة ابن المنى: " وأهل زماننا ومن لبلهم إنما يرجعون في الفقه من جهة الشيوخ والكتب إلى الشيخين الموفق والمجد ".. انتهى.
فإن لم يكن لهما، ولا لأحدهما في ذلك تصحيح، ووجد لغيرهما ممن ذكرته ممن تقدم ذكره، أو غيرهم تصحيح، أو تقديم، أو اختيار ذكرتُه.
وهذا الذي قلتُه من حيث الجملة، وفي الغالب، وإلا فهذا لا يطرد ألبتة، بل قد يكون المذهب ما قاله أحدهم في مسألة، ويكون الصحيح من المذهب ما قاله الآخر، أو غيره في أخرى، وإن كان أدنى منه منزلة باعتبار النصوص، والأدلة، والعلل، والمآخذ، والاطلاع عليها، والموافق من الأصحاب.
وربما كان الصحيح مخالفًا لما قاله الشيخان، وكل أحد يؤخذ من كلامه، ويترك إلا المعصوم - صلى الله عليه وسلم -.
هذا ما ظهر لي من كلامهم، ويؤيده كلام المصنف في إطلاق الخلاف، ويظهر ذلك بالتأمل لمن تتبع كلامهم وعرفه.