يمكن أن نرد أسباب وضع النحو العربي إلى بواعث مختلفة، منها الديني ومنها غير الديني، أما البواعث الدينية فترجع إلى الحرص الشديد على أداء نصوص الذكر الحكيم أداء فصيحا سليما إلى أبعد حدود السلامة والفصاحة، وخاصة بعد أن أخذ اللحن يشيع على الألسنة، وكان قد أخذ في الظهور منذ حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد روى بعض الرواة أنه سمع رجلا يلحن في كلامه فقال: "أرشدوا أخاكم؛ فإنه قد ضل" 1, ورووا أن أحد ولاة عمر بن الخطاب كتب إليه كتابا به بعض اللحن، فكتب إليه عمر: "أَنْ قَنِّعْ كاتبك سوطا"2.
غير أن اللحن في صدر الإسلام كان لا يزال قليلا بل نادرا، وكلما تقدمنا منحدرين مع الزمن اتسع شيوعه على الألسنة، وخاصة بعد تعرب الشعوب المغلوبة التي كانت تحتفظ ألسنتها بكثير من عاداتها اللغوية، مما فسح للتحريف في عربيتهم التي كانوا ينطقون بها، كما فسح اللحن وشيوعه. ونفس نازلة العرب في الأمصار الإسلامية أخذت سلائقهم تضعف لبعدهم عن ينابيع اللغة الفصيحة، حتى عند بلغائهم وخطبائهم المفوهين، ويكفي أن نضرب مثلا لذلك ما يروى عن الحجاج من أنه سأل يحيى بن يعمر هل يلحن في بعض نطقه؟ وسؤاله ذاته يدل على ما استقر في نفسه من أن اللحن أصبح بلاء عاما، وصارحه يحيى بأنه