مثل البصريين، مع تذليله لمشاكل النحو وصعابه. وربما كان أبو حيان أهم من خلفوه من الأندلسيين، وهو شديد العصبية لسيبويه والبصريين، وكان يتأثر بابن مضاء، فدعا مرارا وتكرارا إلى عدم التعلق بالتعليلات، وخاصة في المسائل النظرية، وهاجم التمارين غير العملية، مما لم يَجْرِ على ألسنة العرب، وهو يكثر من الرد على ابن مالك، كما يكثر من اقتراح الآراء.

وانتهيت إلى المدرسة المصرية، ورأيتها في أول نشأتها شديدة النزوع إلى المدرسة البصرية، حتى إذا كان القرن الرابع الهجري أخذت مسرعة تترسّم منهج المدرسة البغدادية وما شَرَعته من تصويب آراء المدرسة البصرية تارة وتصويب آراء المدرسة الكوفية تارة ثانية، مع تركهما تارة ثالثة والأخذ بآراء المدرسة البغدادية، ومع النفوذ إلى آراء اجتهادية تارة رابعة، على نحو ما يصور ذلك من بعض الوجوه أبو جعفر النحاس وخالفوه من مثل الحوفي وابن بابشاذ وابن بري. وتنشط هذه المدرسة نشاطا واسعا منذ العصر الأيوبي ويتكاثر أعلام النحاة فيها من مثل سليمان بن بنين وابن معطي وابن الرماح والسخاوي وبهاء الدين بن النحاس وابن أم قاسم. وقد فصّلت الحديث في ابن الحاجب وآرائه سواء ما اتفق فيه مع بعض النحاة من المدارس السابقة وما خالف فيه جمهورهم. وأنبه نحاة هذه المدرسة على الإطلاق ابن هشام وآيته الكبرى كتابه "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" وقد نهج في تأليفه نهجا ليس له سابقة ولا لاحقة، إذ قسمه إلى مبحثين كبيرين: مبحث في الأدوات ووظائفها وصور استخدامها، ومبحث في الجملة وقوانين النحو الكلية. ولم يكد يترك مسألة نحوية في هذا الكتاب, وفي كتابه التوضيح دون أن يحاول الإحاطة فيها بآراء النحاة مع مناقشتها مناقشة بارعة، ومع نَثْر كثير من الملاحظات والآراء الطريفة. ومنهجه بعامة هو منهج المدرسة البغدادية على نحو ما كان يتصوره أبو علي الفارسي وابن جني، ولعل ذلك هو الذي دفعه في أغلب اختياراته لوقوفه مع سيبويه وجمهور البصريين، مع فتحه الأبواب دائما للاختيار من آراء الكوفيين والبغداديين والأندلسيين. وظلت الدراسات النحوية بعده ناشطة في مصر، إذ يتكاثر فيها الشرّاح وأصحاب الحواشي والمصنفات النحوية المختلفة، على نحو ما يلقانا عند ابن عقيل شارح الألفية، وابن الصائغ صاحب التذكرة،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015