الناس بالقمر" وأنها ليست حينئذ نعتا كما زعم أبو حيان1. وكان يعجب بقوله في كيف: "لم يقل أحد: إنها ظرف إذ ليست زمانا ولا مكانا، ولكنها لما كانت تفسَّر بقولك على أي حال؛ لكونها سؤالا عن الأحوال العامة سميت ظرفا؛ لأنها في تأويل الجار والمجرور، واسم الظرف يطلق عليهما مجازا"2, كما كان يعجب بقوله: إن لما ظرف بمعنى "إذ" لا بمعنى حين كما زعم الفارسي وابن جني3. أما أبو حيان, فإنه كاد أن لا يوافقه في شيء، وكان كما أسلفنا يكثر من الخلاف على ابن مالك، وكأنما جعل ابن هشام نصب عينيه أن ينقض كل ما أورده عليه4، وكذلك على الزمخشري5.
ولعلنا لا نبعد إذا قلنا: إن أهم نحوي مصري تعقبه في آرائه هو ابن الحاجب، وكثيرا ما يثبت عليه السهو والوهم والتعسف6, وكثيرا ما يتوقف لنقض آرائه7. وكتابه "المغني" في الواقع موسوعة كبرى لعرض آراء النحاة السابقين له في مختلف الأصقاع العربية، وهو ليس عرضا فقط بل هو مناقشة واسعة لتلك الآراء وتبين الصحيح منها والفاسد، مع كثرة الاستنباطات ومع اشتقاق الآراء المبتكرة غير المسبوقة، ويكفي أن نضرب لذلك بعض الأمثلة كذهابه إلى أن "عشر" في قولنا: اثني عشر حالة محل النون في اثنين، وهي بذلك ليست مضافة إلى ما قبلها ولا محل لها من الإعراب8. ومن ذلك أن كان وأخواتها ما عدا ليس تدل على الحدث كما تدل على الزمان9، وأن الحال كما تأتي مؤكدة لعاملها في مثل: {وَلَّى مُدْبِرًا} تأتي مؤكدة لصاحبها مثل: "جاء القوم طرا", و {لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} 10. وأهم من الآراء المبتكرة وضعه للضوابط النحوية على نحو ما يتجلى في الأبواب الثاني والثالث والرابع والخامس من كتابه المغني، وقد بلغت حدا رائعا من