ولعل في ذلك ما يدل دلالة واضحة على أنه كان ينزع غالبا إلى البصريين لكن لا عن حمية ولا عن عصبية، وإنما عن طول النظر والتبصر تبصرا كان يدفعه في كثير من الأحيان إلى الوقوف في صف الكوفيين وأوائل البغداديين حين يجد السداد في جانبهم. وهو ما يؤكد بغداديته وأنه كان يقيم مذهبه النحوي والصرفي على الانتخاب من المذهبين البصري والكوفي وما انبثق عنهما من المذهب البغدادي عند أوائل البغداديين، وعند أستاذه أبي علي الفارسي وقد تبعه في كثير من آرائه الاجتهادية، من ذلك أن الظرف والجار والمجرور هما الخبر في مثل: محمد عندك ومحمد في الدار وليسا متعلقين بمحذوف هو الخبر1. وكان يجوز مثله العطف على محل المجرور بالنصب في مثل: مررت بزيد وعمرو، فيقال: مررت بزيد وعمرا2، كما كان يجوز مثله إتباع فاعل نعم وبئس بالنعت مثل: نعم الفتى المدعو بالليل علي3. وجوز متابعا له تقديم خبر كان ومعموله عليها مستدلين بقوله تعالى: {أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} فقد تقدمت كان {إِيَّاكُمْ} معمول {يَعْبُدُونَ} ، وما يجوز وقوع المعمول فيه يجوز وقوع العامل4. وجوز مثله أن تكون لك في قولهم: "لا أبا لك" و"لا أخا لك" خبر لا، و"أبا وأخا" اسمي "لا" مقصورين تامين على لغة من يقول: هذا أبا ورأيت أبا ومررت بأبا5. وكان يذهب مثله إلى أن اللام الداخلة على خبر إِنِ المهملة في مثل: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً} ليست لام الابتداء كما زعم سيبويه، وإنما هي لام فارقة بين إن المؤكدة والنافية6.
وذهب مذهبه في أنه لا يصح تأكيد العائد المحذوف في مثل: "الذي رأيت نفسه زيد" على أن تكون نفسه تأكيدا للضمير المحذوف في رأيت على تقدير: رأيته7. وكان يتابعه في أن اللام في مثل: "يا لزيد" متعلقة بيا8، وأن أما في قول بعض الشعراء:
أبا خراشة أما أنت ذا نفر ... فإن قومي لم تأكلهم الضبع