وفي كلام الزجاجي عنه ما يدل على أنه كان يعنى بحدود النحو، فقد نقل عنه حد الاسم بقوله: "الأسماء: ما أبانت عن الأشخاص وتضمنت معانيها نحو: رجل وفرس", ثم قال: "ولابن كيسان في كتبه حدود للاسم غير هذا هي من جنس حدود النحويين، وحدّه في الكتاب المختار بمثل الحد الذي ذكرناه من كلام المنطقيين"1 يريد: حدهم له بقولهم: "الاسم: صوت موضوع دالّ باتفاق على معنى غير مقرون بزمان"2. ولعل في ذلك ما يدل على أن ابن كيسان كان يأخذ نفسه بثقافة منطقية عميقة، ويقول مترجموه: إنه كان يمتاز بحدة خاطره وبعد غوصه وغرائب قياساته، ويضربون مثلا لذلك أنه سئل عن قراءة آية سورة طه: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} ما وجهها من الإعراب؟ فقال: نجعلها مبنية "أي: تلزم الألف في حالتي النصب والجر" فسئل عن علة بنائها فقال: لأن المفرد منها مبني وهو هذا, وكذلك الجمع هؤلاء مبني، فنجعلها مبنية مثلهما.

ويقول مترجموه أيضا: إنه مزج النحوين: البصري والكوفي، فأخذ من كل واحد منهما ما غلب على ظنه صحته، واطرد له قياسه، وترك التعصب لأحد الفريقين على الآخر. وتدور له في كتب النحو آراء كثيرة، منها ما وافق فيه البصريين ومنها ما وافق فيه الكوفيين ومنها ما وصل إليه باجتهاده وبعد غوره، فمما وافق فيه البصريين ذهابهم إلى أن الناصب للمضارع بعد لام التعليل أن مضمرة مثل: جئت لأكرمك، وإنما قدروا بعدها أن لأنها قد تظهر في مثل قولك: جئت لأن أكرمك. ومع ارتضائه هذا الرأي البصري أضاف إليه أنه يجوز أن يكون الناصب بعد لام التعليل كي محذوفة لمجيئها أيضا في مثل قولك: جئت لكي أكرمك، ومعروف أن الكوفيين يذهبون إلى أن لام التعليل تنصب المضارع بنفسها دون حاجة إلى تقدير أن كما ذهب البصريون3. وكان يذهب مذهب المبرد وابن السراج تلميذه في أن العامل في التابع من النعت والتأكيد وعطف البيان هو العامل في المتبوع ينصبّ عليهما انصبابة واحدة، وكان الخليل وسيبويه والأخفش يذهبون إلى أن العامل فيها جميعا هو التبعية4. وكان يرى رأي الزجاج في أن الضمير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015