ونراه يعنى بتعليم الناشئة صور أساليب العربية في بعض أقاصيص كان يرويها. وصنع عدة دواوين قديمة، في مقدمتها ديوان الأعشى والنابغة وزهير والراعي. ومن أهم آثاره شرحه للمفضليات، وهو منشور، ويكتظّ بمعارفه الواسعة في اللغة والأشعار وأيام العرب. ولم يمتد عمره طويلا، فقد توفي سنة 328 للهجرة.
ومن يرجع إلى كتاب الإيضاح في علل النحو للزجاجي لا يشك في أنه كان أحد من دعموا النحو الكوفي بالعلل المنطقية, دعما لم يتوافر لأستاذه ثعلب، وكأنما كان عقله أكثر منطقية وأقدر على التعليل والبرهنة والإدلاء بالحجج البينة، على نحو ما يتضح في تعليله لاشتقاق المصدر من الفعل، إذ يقول: "الدليل على أن المصادر بعد الأفعال, وأنها مأخوذة منها أن المصادر تكون توكيدا للأفعال كقولك: ضرب زيد ضربا وخرج خروجا وقعد قعودا وما أشبه ذلك، ولا خلاف في أن المصادر ههنا توكيد للأفعال، والتوكيد تابع للمؤكَّد ثانٍ بعده، والمؤكَّد سابق له، فدل ذلك على أن المصدر تابع للفعل مأخوذ منه وأن الفعل هو الأصل الذي أُخذ منه"1. ونرى الزجاجي يذكره في مواضع مختلفة حين يتحدث عن علل الكوفيين2، مما يجعلنا نؤمن بأنه كان في مقدمة من توسعوا فيها وحاولوا إحكامها إحكاما دقيقا.
ولأبي بكر بن الأنباري آراء مختلفة تدور في كتب النحاة، من ذلك أنه كان يذهب إلى أن "إلى" قد ترد اسما, فيقال: "انصرفت من إليك" كما يقال: "غدوت من عليك3. وكان يجعل من معاني "كأن" الشك مثل: "كأنك بالشتاء مقبل" أي: أظنه مقبلا4. وذهب إلى أن "بين الظرفية" قد تقع شرطية إذا جاءت في أول الكلام مثل: "بينما أنصفتني ظلمتني"5. ومعروف أن "كلا" تضاف دائما إلى اثنين أو إلى ضمير الاثنين مثل: كلا محمد وعلي وكلاهما، وذهب ابن الأنباري إلى جواز إضافتها إلى المفرد بشرط تكرارها، فتقول: "كلاي