يريد: قل ينفقون العفو"1. وكأنه أبطل أن تكون "ماذا" مبتدأ وخبرا؛ لأنه على تقدير معناها: "ما الذي ينفقون؟ " تكون الإجابة: الذي ينفقون العفو، وتكون العفو خبرا لمبتدأ محذوف. ويوضح ذلك ثعلب، فيقول: "وإنما اختار الفراء النصب؛ لأن معنى ماذا عندنا "أي: عند الكوفيين" حرف "أي: لفظ" واحد كثر في الكلام، فكأنه قال: ما ينفقون؟ فلذلك اختير النصب، ومن جعل ذا بمعنى الذي رفع"2.
ودائما نحس أنه يجري على ما أنهجه الفراء؛ ولذلك كان اسمه يتردد في مجالسه متخذا منه أدلته على ما يذهب إليه من آراء، من ذلك أن سيبويه والبصريين كانوا يذهبون إلى أن "أي" تكون دائما وصلة لنداء ما فيه أل مثل: يا أيها الرجل، ورد ثعلب عليهم هذا الرأي مستدلا بما قاله الفراء من أن "الدليل على أنه ليس كما قالوا أنه يقال: "يا أيهذا أقبلْ" فيسقط الثاني "أي: ما فيه أل مثل الرجل" الذي زُعم أنه وصف لازم"3. وكان الفراء يذهب -كما مر بنا في الفصل السابق- إلى أن نعم وبئس اسمان, مخالفا بذلك البصريين والكسائي، وتبعه ثعلب محتجا بما نقل عن العرب من دخول حرف الخفض عليها، إذ بُشِّر أعرابي بمولودة فقال: والله ما هي بنعم المولودة، يقول ثعلب: فأدخلوا على نعم وبئس حرف الخفض، ودخول حرف الخفض يدل على أنهما اسمان؛ لأن حروف الخفض لا تدخل إلا على الأسماء4. وقد يذهب ثعلب إلى بعض الآراء التي يظن أنها من اجتهاده، وهي في الواقع مستمدة من كلام الفراء، من ذلك ما يتردد في كتب النحاة من أنه كان يقول بأن اللام الناصبة للمضارع إنما تنصبه لقيامها مقام أن الناصبة له، أو بعبارة أخرى: لنيابتها عن أن5، بينما كان الفراء يذهب إلى أن اللام تنصب المضارع بنفسها لا بأن مضمرة كما ذهب البصريون، وثعلب في الواقع إنما استمد رأيه من قول الفراء, تعليقا على قوله تعالى: {يُرِيدُ