قصيدة مدح بها يزيد بن عبد الملك على هذا النمط:
مستقبلين شمال الشام تضربنا ... بحاصب كنديف القطن منثور1
على عمائمنا يلقى، وأرحلنا ... على زواحف تزجى، مخها رِير2
فقال له: أسأت, إنما هو "مخها رير" مشيرا بذلك إلى قياس النحو في هذا التعبير؛ لأنه يتألف من مبتدأ وخبر. وما زال ينحي على الفرزدق باللائمة حتى جعل الشطر:
على زواحف نزجيها محاسير
وكانت مراجعته المستمرة له تغضبه، فهجاه بقصيدة يقول في تضاعيفها هذا البيت:
فلو كان عبد الله مولى هجرته ... ولكن عبد الله مولى مواليا3
وما كاد يسمعه منه حتى قال له: "أخطأت أخطأت، إنما هو مولى موالٍ" يريد أنه أخطأ في إجرائه كلمة موال المضافة مجرى الممنوع من الصرف، إذ جرها بالفتحة وكان ينبغي أن يصرفها قياسا على ما نطق به العرب في مثل جوار وغواش, إذ يحذفون الياء منونين في الجر والرفع4. وواضح من كل هذه المحاورات بينه وبين الفرزدق مدى احتكامه للقياس وما ينبغي للقاعدة من الاطراد، بحيث لا يجوز للشاعر مهما كان فصيحا أن يخرج عليها. وكان لا يرى بأسا في أن يخالف أحيانا جمهور القراء في بعض قراءاتهم لآي الذكر الحكيم تمسكا بالقياس النحوي، ومن ذلك أنه كان يخالفهم في قراءة آية المائدة: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} فقد كانوا يقرءون: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} بالرفع على الابتداء، بينما الخبر فعل أمر، وجعله ذلك يقرؤهما بالنصب5 على المفعولية.
وواضح أنه فتح لنحاة البصرة من بعده تلاميذه وغير تلاميذه بمراجعاته للفرزدق أن يخطئوا الشعراء الفصحاء لا من الإسلاميين مثل الفرزدق فحسب،