"التفسير"1. وسموا لا النافية للجنس في مثل: "لا رجل في الدار" باسم "لا التبرئة", والصفة في مثل: "محمد الشاعر أقدم" باسم النعت2, وكان يطلقه سيبويه كما مر في ترجمته على عطف البيان، وأخذ المتأخرون باسمهم كما أخذوا بتسميتهم للعطف بالحروف "عطف النسق"3. وسموا حروف النفي باسم حروف الجحد4 أي: الإنكار، كما سموا حروف الزيادة مثل إن في قولك: "ما إنْ أحد رأيته" باسم حروف الصلة والحشو5. وسموا المصروف والممنوع من الصرف باسم "ما يجري وما لا يجري"6. وسموا لام الابتداء في مثل: "لمحمد شاعر" لام القسم زاعمين أن الجملة جواب لقسم مقدر7.
وواضح أن هذه المصطلحات ظلت لا تسود في النحو العربي، إذا نحن استثنينا اصطلاح النعت وعطف النسق؛ لأن نظامه الذي وضعه البصريون هو الذي عم بين العلماء والناس في جميع الأمصار والأعصار، وهو لم يعم عفوا، إنما عم لدقته المنطقية، وكأن عقول البصريين كانت أكثر خضوعا وإذعانا لسلطان المنطق، ومناهجه الصارمة، لما قدمنا في غير هذا الموضع من صلة البصرة المبكرة بالدراسات المنطقية والفلسفية، وما هي إلا أن يكب بعض عباقرتها على النحو فإذا هم يصوغونه صياغة نهائية، ملائمين بين قواعده ومقاييسه ملاءمة دقيقة إلى أبعد حدود الدقة، ملاءمة تخلو من أي عوج أو نقص أو انحراف، وكأنما كان بأيديهم قسطاس مستقيم وضع كل قاعدة نحوية في موضعها بحيث لا تجور قاعدة على قاعدة. وارجع إلى مصطلح الخلاف الذي وضعه الكوفيون فستراه يشتمل على صياغات متباعدة، وأين الظرف الواقع خبرا من المفعول معه ومن الفعل المضارع المنصوب بعد فاء السببية مثلا؟ ومثل هذا الاصطلاح في اضطرابه اصطلاح التقريب الذي أدخلوا به اسم الإشارة في كان وأخواتها التي تتصرف تصرف الأفعال. وليست بقية المصطلحات بأكثر من محاولات لمخالفة