لعل أهم ما يميز المدرسة الكوفية من المدرسة البصرية اتساعها في رواية الأشعار وعبارات اللغة عن جميع العرب بدويهم وحضريهم، بينما كانت المدرسة البصرية تتشدد تشددا جعل أئمتها لا يثبتون في كتبهم النحوية إلا ما سمعوه من العرب الفصحاء الذين سلمت فصاحتهم من شوائب التحضر وآفاته، وهم سكان بوادي نجد والحجاز وتهامة من "قيس وتميم وأسد, فإن هؤلاء هم الذين عنهم أكثر ما أُخذ ومعظمه وعليهم اتكل في الغريب وفي الإعراب والتصريف، ثم هذيل وبعض كنانة وبعض الطائيين، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم، وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضري قط ولا عن سكان البراري ممن كان يسكن أطراف بلادهم المجاورة لسائر الأمم الذين حولهم"1.
وليس معنى ذلك أن أئمة الكوفة لم يكونوا يرحلون إلى هذه القبائل الفصيحة، فقد كانوا يكثرون من الرحلة إليها، على نحو ما يحدثنا الرواة عن الكسائي، فقد قالوا: إنه خرج إلى نجد وتهامة والحجاز "ورجع وقد أنفذ خمس عشرة قنينة حبر في الكتابة عن العرب سوى ما حفظ"2. ولكن معناه أن الكوفيين وفي