المخفوض بدون إعادة الخافض، ومن أجل ذلك ضعَّف البصريون المتأخرون قراءة حمزة الآية الكريمة: "واتقوا الله الذي تساءلون به وَالْأَرْحَامِ" بالجر عطفا على الضمير المجرور بالياء، وأبى الأخفش -وتبعه جمهور الكوفيين- قاعدة سيبويه المذكورة، وجوز مثل هذا العطف، مستشهدا بقراءة حمزة للآية السالفة1. وقال سيبويه: لا يُفصَل بين المضاف والمضاف إليه إلا بالظرف وخص ذلك بالشعر، ومن هنا ضعّف بعض البصريين قراءة ابن عامر قوله تعالى: "وكذلك زُيِّنَ لكثير من المشركين قتلُ أولادَهم شركائهم" بنصب أولادهم وخفض شركائهم، وهو فصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول به لقتل، وجوز ذلك الأخفش -وتبعه الكوفيون- منشدا قول بعض الشعراء:
فزججتها بمزجة ... زجّ القلوصَ أبي مزاده2
فقد فصل الشاعر بين زج وأبي مزاده بكلمة القلوص، وهي مفعول به لزج3. ولعل من الغريب أن نجد بعض المعاصرين يكثرون من أن الكوفيين كانوا يختلفون مع البصريين في قبول بعض القراءات الشاذة وتوجيهها، بانين آراءهم في ذلك على هاتين الآيتين غالبا، وها هو الأخفش البصري يقبلهما، بل هو في رأينا الذي دفع الكوفيين إلى اتخاذ القراءات مصدرا للقواعد، مهما كانت شاذة. وبذلك لا يكون هناك شيء يتميز به النحو الكوفي من النحو البصري إلا نجد أصوله عند الأخفش، لا من حيث قبول القراءات الشاذة على مقاييس سيبويه والخليل فحسب, بل أيضا من حيث قبول بعض الأشعار الشاذة واتخاذها أصلا للقياس.
ونحن نعرض في إجمال لطائفة من آرائه الكثيرة التي خالف فيها سيبويه والخليل إمامي البصرة، فمن ذلك أنهما كانا يريان أن إعراب المثنى والجمع المذكر السالم إنما هو بحركات مقدرة في الألف والواو والياء، أي: إنها نابت عن حركات الرفع والنصب والجر، أما هو فكان يذهب إلى أن حروف اللين هذه دلائل