الحَالة مَن لا خلاقَ له، فيَبْسُط نُفُوذَه، ويُمْلي شُروطَه، ويُساوِم، فإن أُعطي رَضي، وإِن لم يُعطَ يتعنَّت، ويُماطِل صَاحِبَ الحاجَةِ في إِنْجازِها. ولسانُ حالِه يَقول:
لَقد قرَّرْتُ فَلا تُحاوِل تَضْلِيلِي بالحقَائِقِ!! .
ولعلّ من أبرز المجالات الإنسانية في الحياة الدنيا استعمالاً لأكثر أنواع المداراة هو مجال السياسة.
لأن الساسة يكون لهم أهداف لتحقيق مصالحهم. وتكون تلك المصالح في الغالب مع الأجنبي الَّذي يختلف في أحكامه، وأعرافه، وشرائعه عن بلد السياسي. فتجده يبذل جهدًا موصولاً بعيدًا عن العنف. يلفُّه الحذر الشديد لئلا يَسمع منه الآخر ما يثير ضغينته، فتراه يستخدم من الألفاظ، ويأتي من الأفعال ما يداري به صاحبه، وبما يعجبه ليصل بذلك إلى ما يريد منه.
ولعل من أسوأ ما يمكن أن يقع فيه السياسي من خُلُقٍ هو لجوؤه إلى الكذب المبطّن، أو الخداع المدسوس، في القول أو الفعل.
فهو يحرص ألاّ يكشِف أوراقه لمنازعه، في الوقت الَّذي يُبقي فيه على شعرة معاوية 1 بينهما.
ولكن هل من سبيل إلى تجنّب قول الحقيقة دون الوقوع في الكذب؟
يبدو أن المسألة تجمع بَيْنَ ضِدَّين، الأمر الَّذي يصعب على العقل إدراكه، ولكن لعلّ في المعاريض مندوحة عن الكذب.