وأَحْسنه ما كانَ لِوَجْه اللهِ لِعاجزٍ، مُستَحِقٍ، مُنْقَطع، يَسْتَحي.
وأَسوؤها ما يُلحِق الضَّرر بالآخرين، ويُميت في نفس الضَّعيف كل أَملٍ في الحُصولِ على حَقِّه، فيُصبح المجتمع بذلك مُجتمعًا طَبَقيًا تنخرهُ المحْسوبيَّة، ويرتَع الظالم فيه مُنْتَصِرًا، مُفَاخِرًا، رافعًا عَقِيرتَه، ويُصبح اليَأْس، والخوفُ من المجهول وعَدم الثِّقَة عِنْدَ المسْتَضَعَفِين عَوامِل قَوية تَدفع بِهم إلى (المداراة) في طَريقٍ خَاطِيءٍ من النِّفاقِ، والكَذِب، والازْدِرَاء. فيَفْقِد الفَردُ مِنْهم حِسَّه المعْنَوي، وشعُوره بالكرامَة. فيخْسَر نَفسه، ويَخْسره المجتمع.
وما المقايضَةُ، والمُسَاومةُ بَيْن صاحِب الحاجةِ، وبَيْن من يَقْضيها لَه إلاَّ نوعٌ مِن الأّذَى، وأَكْلِ أَموالِ النّاسِ بغيرِ وجْهِ حَقٍّ، وقد نَصَّ الله تعالى على تحريم ذلك بقوله: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة / 188] .
أي: لا تُعْطُوها الحكَّام على سَبيل الرِّشَوة ليُغيروا الحكْمَ لكُم 1.
ولعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الراشِي، والمرْتَشِي 2، والرائش بَيْنَهما.
فالراشي: المُعطي. والمُرتشِي: الآخِذُ. والرائِش: الواسِطة بينهما.
قال الخطابي: إِنَّما تلحَقْهما العُقوبة مَعًا إِذا اسْتَويا في القَصْد والإِرادَة، فَرَشَا المُعْطي لينَال بهِ باطِلاً، ويَتَوصَّل به إلى ظُلْم.
قال: والآخِذُ إِنَّما يَسْتَحِق الوعيد إِذا كان ما يأْخُذه إِما على حَقٍّ يَلزمه