فالإنسان في نموه يمر خلال حياته بمراحل مختلفة، تبدأ بالضعف، وتنتهي بالضعف. ففي المرحلة الأولى يتولى رعايته أبواه أو أحدهما. وفي المرحلة الأخيرة يتولى رعايته أبناؤه.
غير أن مرحلة الضعف الأولى يعقبها قوة وعنفوان.
ومرحلة الضعف الثانية تتطور إلى ضعف، وضعف شديد يفقد معه الإنسان الكثير من نشاطه، وحيويته فيكون فيها محتاجًا لمن يساعده على قضاء كثير من شئونه في الحياة، فيبرز حينئذ دور الأبناء فيكون منهم البِرّ بوالديهما الَّذي يتمثل في طاعتهما في غير معصية الله، ورعايتهما، والصبر على ذلك. هنا يمكن للمداراة أن يكون لها دورٌ محوريٌّ في تلك العلاقة الظاهر في المجاملة، والأثرة، والتنازل، والملاينة، والرفق، والملاطفة، وحسن العشرة، والمداخلة في الأمور بسهولة، وبالرضى، والقبول من الفاعل.
ومن لم يوفق إلى فعل ذلك مع أبويه أو أحدهما فهو من المحرومين الأشقياء. كما بيّن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: " رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ"، قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا، أَوْ كِلَيْهِمَا، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ " 1.
وهكذا يمضي الشارع الحكيم في بيانه الرائع، المحكَم آخذًا بأيدي المؤمنين إلى ما فيه صلاحهم في الدارين.