على حياة الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم.
ثمَّ ما طرأ بعد ذلك على هذا السلوك من توسّع في المفهوم لدى المتأخرين الَّذِين بدأت تميل كفّة ميزان حياتهم إلى الأمور المادية، بعالمها، ومعالمها، مما دفع بعضهم إلى التّخلّي - متعمّدًا، أو مضطرًا - عن بعض الأخلاق الحميدة الَّتِي تميّز الفرد المسلم عن غيره، كالصدق، والوفاء، والمروءة، ليصبح قاب قوسين أو أدنى من السيء من القول أو الفعل الَّذي من أخطره، وأشنعه خصلتا: النفاق، والكذب. اللتان توديان بصاحبيهما يوم القيامة إلى الدرك الأسفل من النار.
وقد قسَّمت بحثي هذا إلى أربعة مباحث بعد المقدّمة والتمهيد.
في الأَوَّل تعريف عام (للمداراة) في معناها اللّغوي، والاصطلاحي.
وفي الثَّاني استعرضت بشيء من الإيجاز ما ورد في كتاب الله العزيز عن (المداراة) ومدلولاتها وفق ما اخترت من آيات كريمات. وحاولت أن أُبرز دور (المداراة) في دعوة الرسل بوصفها منهجًا قائمًا بذاته يحتاجه الدعاة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
وفي الثَّالث أوردت نماذج مختلفة ممَّا ورد في السُّنَّة المطهرة من أحاديث تدعّم ما أردت بيانه من تأثير (المداراة) على سلوك الداعية، وإيجابية ذلك في نتائج دعوته.
وذكرت من مواقف بعض الصَّحابة، والتابعين رضي الله عنهم ما يندرج في مفهوم العام (المداراة) .
وأمّا المبحث الرابع فأردت أن استبين واقع المجتمع المعاصر الذي اعتبرته امتداداً طبيعياً للمجتمعات فيها يخصّ معاملة الأفراد بعضهم بعضاً وما استجدَّ فيه من مفاهيم واسعة (للمداراة) فرضتها عوامل معيشية مختلفة على